للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التي لم تتفطن إليها لجنة صياغة ميثاق الجزائر والتي سوف تكون هي أساس جزء من الانحرافات التي وقعت فيه أيديولوجية جبهة التحرير الوطني والتي شكلت بالتدريج، واحداً من العراقيل الرئيسية التي منعت الثورة من التقدم في انتظار إجهاضها. ومن جملة هذه التناقضات ما يلي:

١ - إن ميثاق الجزائر، عندما يتحدث عن بنية المجتمع واتجاهه، يذكر أن "نواة برجوازية أكثر أهمية قد تشكلت في نهاية مائة وثلاثين سنة من الاستعمار، من كبار التجار وبالأخص من كبار ومتوسطي ملاك الأراضي، ولم تكن الفئات البرجوازية بمعناها الحقيقي تتجاوز ٢.٥% من عدد السكان العاملين (١) ويرى أن هذه البرجوازية كانت مؤثرة في الميدان الاقتصادي" وكان لها نفوذ أيديولوجي وثقافي وسياسي في أوساط العمال والفلاحين (٢).

إن هذا الكلام يتناقض في جوهره مع ماورد في الباب الخاص بالأسس الإيديولوجية للثورة الجزائرية والذي جاء فيه "إن الكفاح من أجل انتصار المبادئ الديمقراطية قد تغلغل بين الجماهير وحفز عملها وحدد سلوكها وآفاقها ومن خلال المقاومة المسلحة ضد الامبريالية الفرنسية أصبحت الجماهير واعية بقوتها وقدرتها على حل مشاكلها بنفسها (٣). فإذا كان الأمر قد وصل فعلاً إلى هذا الحد، فإن تأثير البرجوازية غير ذي بال خاصة وأن التحليل يتعلق بفترة زمنية واحدة هي نهاية النظام الاستعماري.

٢ - إن ميثاق الجزائر يؤكد على ضرورة إبراز الديمقراطية الاشتراكية بواسطة الإدارة الفعالة التي تراقبها الجماهير، وفي نفس الوقت يعترف أن الدولة الجزائرية "احتفظت بالهياكل الإدارية التي أقامها الاستعمار من أجل تأطير اقتصاد ليبرالي تترك فيه الوظيفة الاقتصادية لمالكي وسائل الإنتاج والمقاولين ومثقفي المهن الحرة (٤).

وإذا كان ميثاق الجزائر يعترف للبرجوازية، على ضآلة نسبتها، بتأثيرها البالغ أيديولوجياً وسياسياً وثقافياً في أوساط الجماهير الشعبية، فكيف يمكن التصديق بأن هذه الأخيرة سوف تتمكن من مراقبة الإدارة التي أنشئت في أساسها لتكوين أداة مناهضة للسياسة الاشتراكية.


(١) نفس المصدر، ص٣٨.
(٢) نفس المصدر، ص٣٩.
(٣) نفس المصدر، ص٣٦.
(٤) نفس المصدر، ص٣٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>