يعني أن سحبها كان مرتفعاً، بل ضعيفاً لم يتجاوز ثلاثين ألف نسخة بسبب أزمة الورق. (٣٩).
وعندما نعود اليوم، إلى مختلف أعداد الجريدة، فإننا نلاحظ بكل سهولة الدور الإيجابي الذي أدته سواء بالنسبة لإنجاح عملية التعبئة الشاملة حول برنامج الحركة أو فيما يتعلق بمحاورة الأوربيين الذين كانوا متخوفين من فكرتي الأمة الجزائرية والبرلمان المنتخب بواسطة الاقتراع العام، أو فيما يخص تعرية أمرية الجنرال ديغول التي قال عنها السيد فرحات عباس: أنها لم تأخذ في الاعتبار تاريخ الجزائر وتطور ذهنيات أبنائها" (٤٠).
وبالإضافة إلى الدور الإعلامي الذي كانت الجريدة تقوم به على أحسن وجه فإن أعمدتها كانت مفتوحة لبرامج التوجيه والتكوين الأيديولوجيين وللتحقيقات التي كانت تعالج موضوعات أساسية في مجالات الدين والتربية وحول أوضاع المرأة والطفل المسلمين إلى غير ذلك مما له علاقة بتطوير المجتمع وإعداده لمستقبل أفضل.
ولم يكن نشاط الجريدة ليرضي الإدارة الاستعمارية ولا ليطمئن الحزب الشيوعي الجزائري. فأما الأولى فإنها راحت تقابله بتقليص كمية الورق المخصصة للحركة وبعرقلة عملية التوزيع التي كانت تعتمد أساساً على مبادرات المناضلين، وأما الثاني فإنه جعل من صحافته منبراً للتنديد بمحرري الجريدة والمشرفين عليها مع التركيز على رئيس التحرير السيد عبد العزيز كسوس. وفي مجال آخر، ورغم ظروف الحرب الصعبة، كان السيد فرحات عباس ينتقل من مكان لآخر عبر مختلف أنحاء الوطن: يخطب ويحاضر تارة ويحاور ويناقش مرة. وفي جميع الحالات، كان يسهم بفعالية في شق طريق الحركة نحو التجذر والانتشار. ومما يستحق الذكر أن تلك الاتصالات المباشرة والمكثفة، وبقدر ما أفادت أحباب البيان والحرية، فإنها سمحت للرجل أن يثبت أقدامه في عالم الوطنية الجزائرية وأن يتخلى نهائياً، عن قناعات ظل بها متمسكاً إلى أن كانت صياغة البيان.
وإذا كانت الحركة المصالية قد هللت لهذا التحول الإيجابي لدى أهم أقطاب المنتخبين الجزائريين، فإن الإدارة الاستعمارية لم تخف استياءها وراحت تعبر عنه بالعمل ميدانياً وبشتى الوسائل، على إحداث التصدع في البناء الجديد وزرع الشقاق بين سائر الأطراف المكونة له. لكن حزب الشعب الجزائري المحظور فوت عليها الفرصة بفضل ما أصدره من تعليمات لإطارته ومناضليه يدعوهم من خلالها إلى إحاطة السيد فرحات عباس بكل أنواع الرعاية والعناية وإشعاره