هناك كتابات كثيرة عالجت هذا الموضوع لكنها لم تشبعه بحثاً، وحتى الآن، فإن الآراء لم تنفق حول المسائل الأساسية التي تتحكم في كل دراسة علمية والتي بدون الفصل فيها لا يمكن التوصل إلى حقيقة ما وقع في ذينك الاسبوعين الأول والثاني من شهر مايو (أيار) سنة ١٩٤٥.
فالمؤرخون الفرنسيون والمتأثرون بهم من الجزائريين يتجنبون الحديث عن الثورة ويركزون على مصطلح الأحداث او المظاهرات، بعد ذلك يتعمدون الضبابية حتى يظل المصدر مجهولاً وتبقى الأهداف المسطورة من طرفه غير واضحة وقابلة للتفسيرات المغرضة والتآويل المختلفة. وزيادة في التعتيم، يؤكد أولئك المؤرخون أن "حوادث مايو" كانت عفوية ولا يوجد أي تنظيم.
وإذا كانت السلطات الاستعمارية قد اتهمت أحباب البيان والحرية معتمدة على كون العديد من القتلى والمعتقلين الجزائريين كانوا يحملون بطاقات العضوية في تلك الحركة (٥٢)، فإن الحزب الشيوعي الجزائري، فيما يخصه، قد وجه أصابع الاتهام إلى من أسماهم بالوطنيين المزيفين الذين يعملون في ركاب "الفاشية الهتلرية" و"الفاشية الإيطالية" وإلى الأوربين الاقطاعيين والمسؤولين الإداريين تحت سلطة حكومة فيشي.
ونحن عندما نعود إلى تلك الفترة الزمنية نستنطقها، وإلى النصوص المعاصرة نحللها ونفحص المعلومات الواردة فيها، وحينما نتوقف عند الشهادات التي أدلى بها المسؤولون السياسيون الذين كانوا يصنعون الحدث التاريخي في ذلك الوقت، وعندما نعيد قراءة الجرائد والمجلات التي عالجت الموضوع في وقته، فإننا لا نستطيع سوى الاعتراف بأن ما وقع في شهر مايو سنة خمس وأربعين وتسعمائة وألف إنما هو حركة ثورية أعدت لها قيادة حزب الشعب الجزائري التي كانت قد أخذت كل الاحتياطات لتكون النتيجة الحتمية هي إقامة الجمهورية الجزائرية وما يتبعها من مؤسسات وطنية.
إن ما وقع في شهر مايو سنة ١٩٤٥ يجب البحث عن أسبابه القريبة في شهر مارس (آذار) من نفس السنة. ففي اليوم الثالث من ذاك الشهر، وبينما كان طريح الفراش، أرسل السيد فرحات عباس لائحة إلى مؤتمر أحباب البيان والحرية، غير أنها لم تلق قبولاً ورفض المؤتمرون المصادقة عليها، رغم ما كان لعباس من مكانة، لأنها تدعو إلى إدراج الجزائر في نظام اتحادي مع