والأغاني والأهازيج التي خلدت ماوقع في ذلك الشهر المبارك، كل ذلك يقود إلى تصديق ماجاء في تصريح الدكتور ابن جلول أمام نواب المجلس الوطني التأسيسي الفرنسي بتاريخ ٢٨/ ٢/١٩٤٦ من أن عدد القتلى المسلمين بلغ في ذلك الشهر ثمانين ألفاً (١٠٤).
ولقد كان السيد فرحات عباس في مقدمة المحللين لما وقع في شهر مايو ١٩٤٥، ساعده على الارتقاء إلى تلك المكانة ماكان يتمتع به من أفق واسع واطلاع كبير على المعطيات الحقيقية بالإضافة إلى تلك العزلة الطويلة التي
فرضت عليه ابتداء من الثامن من مايو ١٩٤٥ إلى السادس عشر من مارس ١٩٤٦. يقول الأمين العام السابق لحركة أحباب البيان والحرية في نداء وجهه إلى الشبيبة الجزائرية والفرنسية: "لقد كانت مغامرة سطيف وقالمة الفظيعة موجهة ضدنا وضد أحباب البيان والحرية، ضد طموحات شعبنا الشرعية .. ضد الديمقراطية الفتية في الجزائر. شرع في تنفيذها بينما كان الوئام يسود العلاقات القائمة بين حركتنا وسائر التنظيمات الديمقراطية. وكان الغرض هو عزلنا وإثارة أوربي الجزائر والشعب الفرنسي ذاته ضد إصلاحاتنا وكان المقصود (أيضاً) هو القضاء علينا وتنظيم الانتخابات بدوننا وتحضير الرجوع إلى الوراء ... إلى عهد الاستعمار.
المطلق ... إنها جريمة شنعاء ارتكبتها الإدارة، وبشر بها كثير من المغرضين، خاصة منهم لاستراد كربونال (Lestrade Carbonnel) عامل الولاية الذباح الوصولي الذي صرح يوم ٢٠/ ٤/١٩٤٥ قائلاً: "إن عمليات كبيرة ستحدث ضد حزب سياسي يقع حله فيما بعد". فللقضاء علينا، ذهبوا إلى حد ارتكاب الجريمة. وضد شعب أعزل، سلحوا وجمعوا في شكل مليشيات عصابات من الأوغاد والرجعيين. إن لاستراد كربونال - درناند الجزائر - (١٠٥) وكذلك عملية أشياري (Achiary) وغيرها ممن زرعوا في أريافنا رعباً هتليرياً بشعاً عليهم، اليوم، أن يدفعوا مقابل الجرائم التي ارتكبوها .. إن ملف الثامن من مايو لم يغلق بعد".
تراجع القيادة الثورية وموقف التشكيلات السياسية:
إن رأي عباس، في هذا الموضوع، هو عين الصواب. وليس ملف الثامن من مايو، وحده، هو الذي لم يغلق ولكن الملف الإجمالي لكامل الحركة الثورية كله لم يزل مفتوحاً، إلى غاية هذا اليوم، وهو ينتظر اهتمام المؤرخين الوطنيين