• (إن الله يغار): قَالَ ابن الْعَرَبِيِّ: التَّغَيُّرُ مُحَالٌ عَلَى اللَّهِ بِالدَّلَالَةِ الْقَطْعِيَّةِ، فَيَجِبُ تَأْوِيلُهُ بِلَازِمِهِ كَالْوَعِيدِ، أَوْ إِيقَاعِ الْعُقُوبَةِ بِالْفَاعِلِ وَنَحْوِ ذَلِك، ثُمَّ قَالَ: وَمِنْ أَشْرَفِ وُجُوهِ غَيْرَتِهِ تَعَالَى: اخْتِصَاصُهُ قَوْمًا بِعِصْمَتِهِ، يَعْنِي: فَمَنِ ادَّعَى شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ لِنَفْسِهِ عَاقَبَهُ.
• (ينزل ربنا إلى السماء الدنيا):
اسْتَدَلَّ بِهِ مَنْ أَثْبَتَ الْجِهَةَ وَقَالَ: هِيَ جِهَة الْعُلُوّ، وَأنكر ذَلِك الْجُمْهُور، لِأَنَّ الْقَوْلَ بِذَلِكَ يُفْضِي إِلَى التَّحَيُّزِ، تَعَالَى اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ.
وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي مَعْنَى النُّزُولِ عَلَى أَقْوَالٍ:
١ - فَمِنْهُمْ مَنْ حَمَلَهُ عَلَى ظَاهِرِهِ وَحَقِيقَتِهِ وَهُمُ الْمُشَبِّهَةُ تَعَالَى اللَّهُ عَنْ قَوْلِهِمْ.
٢ - وَمِنْهُمْ مَنْ أَنْكَرَ صِحَّةَ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي ذَلِكَ جُمْلَةً، وَهُمُ الْخَوَارِجُ وَالْمُعْتَزِلَةُ وَهُوَ مُكَابَرَةٌ.
٣ - وَمِنْهُمْ مَنْ أَجْرَاهُ عَلَى مَا وَرَدَ مُؤْمِنًا بِهِ عَلَى طَرِيقِ الْإِجْمَالِ، مُنَزِّهًا اللَّهَ تَعَالَى عَنِ الْكَيْفِيَّةِ وَالتَّشْبِيهِ، وَهُمْ جُمْهُورُ السَّلَفِ، وَنَقَلَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ عَنِ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ وَالسُّفْيَانَيْنِ وَالْحَمَّادَيْنِ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَاللَّيْثِ وَغَيْرِهِمْ.
٤ - وَمِنْهُمْ مَنْ أَوَّلَهُ عَلَى وَجْهٍ يَلِيقُ مُسْتَعْمَلٍ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ.
٥ - وَمِنْهُمْ مَنْ أَفْرَطَ فِي التَّأْوِيلِ حَتَّى كَادَ أَنْ يَخْرُجَ إِلَى نَوْعٍ مِنَ التَّحْرِيفِ.
٦ - وَمِنْهُمْ مَنْ فَصَلَ بَيْنَ مَا يَكُونُ تَأْوِيلُهُ قَرِيبًا مُسْتَعْمَلًا فِي كَلَامِ الْعَرَبِ، وَبَيْنَ مَا يَكُونُ بَعِيدًا مَهْجُورًا، فَأَوَّلَ فِي بَعْضٍ، وَفَوَّضَ فِي بَعْضٍ، وَهُوَ مَنْقُولٌ عَنْ مَالك، وَجزم بِهِ من الْمُتَأَخِّرين ابن دَقِيقِ الْعِيدِ.
٧ - قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَأَسْلَمُهَا الْإِيمَانُ بِلَا كَيْفٍ، وَالسُّكُوتُ عَنِ الْمُرَادِ، إِلَّا أَنْ يَرِدَ ذَلِك عَنْ الصَّادِق فيصار إِلَيْهِ. وَمن الدَّلِيلَ عَلَى ذَلِكَ اتِّفَاقُهُمْ عَلَى أَنَّ التَّأْوِيلَ الْمُعَيَّنَ غَيْرُ وَاجِبٍ، فَحِينَئِذٍ التَّفْوِيضُ أَسْلَمُ.
وَقَالَ ابن الْعَرَبِيِّ: حُكِيَ عَنِ الْمُبْتَدِعَةِ رَدُّ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ، وَعَنِ السَّلَفِ إِمْرَارُهَا، وَعَنْ قَوْمٍ تَأْوِيلُهَا، وَبِهِ أَقُول.
فَأَمَّا قَوْلُهُ يَنْزِلُ فَهُوَ رَاجِعٌ إِلَى أَفْعَالِهِ لَا إِلَى ذَاتِهِ بَلْ ذَلِكَ عِبَارَةٌ عَنْ مُلْكِهِ الَّذِي يَنْزِلُ بِأَمْرِهِ وَنَهْيِهِ وَالنُّزُولُ كَمَا يَكُونُ فِي الْأَجْسَامِ يَكُونُ فِي الْمَعَانِي فَإِنْ حَملته فِي الحَدِيث على الْحسي قَتلك صِفَةُ الْمَلَكِ الْمَبْعُوثِ بِذَلِكَ وَإِنْ حَمَلْتَهُ عَلَى الْمَعْنَوِيِّ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْ ثُمَّ فَعَلَ فَيُسَمَّى ذَلِكَ نُزُولًا عَنْ مَرْتَبَةٍ إِلَى مَرْتَبَةٍ فَهِيَ عَرَبِيَّةٌ صَحِيحَةٌ.