للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فَصْلٌ

* فإِنِ اجْتَمَعَ اثْنَانِ أَوْ أَكْثَرُ مِمَّنْ لَهُ أَنْ يُفْتِيَ، فَهَلْ يَلْزَمُهُ الاجْتِهَادُ وَالْبَحْثُ عَنِ الأعْلَمِ وَالأوْرَعِ [وَالأوْثَقِ] (١) لِيُقَلِّدَهُ دُونَ غَيْرِهِ؟

فِيهِ وَجْهَانِ لنَا، وَلبَقِيَّةِ الْعُلَمَاءِ مَذْهَبَانِ:

أَحَدُهُمَا: لَا يَجِبُ، بَلْ لَهُ أَنْ يَسْتَفْتِيَ مَنْ شَاءَ مِنْهُمْ؛ لِأَهْلِيَّتِهِمْ، وَقَدْ سَقَطَ الاجْتِهَادُ عَنْهُ، لَاسِيَّمَا إِنْ قُلْنَا: "كُلُّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبٌ"، لِقَوْلِ (٢) النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - "أَصْحَابِي كَالنُّجُومِ، بِأَيِّهِمُ اقْتَدَيْتُمُ اهْتَدَيْتُمْ" (٣).

وَالثَّانِي: يَجِبُ، لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ هَذَا الْقَدْرُ مِنَ الاجْتِهَادِ بِالْبَحْثِ وَالسُّؤَالِ وَشَوَاهِدِ الْأَحْوَالِ، فَلَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ، وَالْعَمَلُ بِالرَّاجِحِ وَاجِبٌ كَالْأَدِلَّةِ (٤).

وَالأوَّلُ أَصَحُّ، لِأَنَّهُ ظَاهِرُ حَالِ السَّلَفِ لِمَا سَبَقَ.

* وَمَتَى اطّلَعَ عَلَى الْأَوْثَقِ مِنْهُمَا، فَالأَظْهَرُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ تَقْلِيدُهُ دُونَ الْآخَرَ، كَمَا وَجَبَ تَقْدِيمُ أَرْجَحِ الدَّلِيلَيْنِ، وَأَوْثَقِ الرِّوَايَتَيْنِ.

* فَعَلَى هَذَا: يَلْزَمُهُ تَقْلِيدُ الْأَوْرَعِ مِنَ الْعُلَمَاءِ، وَالْأَعْلَمِ مِنَ الْوَرِعِينَ.


(١) في (أ): الأوثق.
(٢) في (ب): ولقول.
(٣) تقدم تخريجه.
(٤) يُنظر: (الواضح): ٥/ ٢٥٧، و (روضة الناظر): ٣/ ١٠٠٢ و ١٠٢٤، و (أدب المُفتي): ١٥٩، و (مقدمة المجموع): ١/ ١١٨، و (المسودة): ٢/ ٨٥١، و (الدر النضيد): ٣٦٣.

<<  <   >  >>