لَقَدْ جاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ المُمْتَرِينَ (٩٤)[يونس: ٩٤] قد يتوهم من ظاهرها أنه-صلّى الله عليه وسلّم-اعترضه شك في بعض الأوقات فيما أنزل إليه كما توهمه بعض النصارى، فأورده متعلقا به.
وليس كذلك لأنه صلّى الله عليه وسلّم معصوم من الشك والارتياب لقوله-عز وجل-: {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ}(١)[الشرح: ١] وإنما وجه الآية صرف الخطاب إلى من يجوز عليه الشك من أتباعه وأخصامه، نحو {وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلاً قُلْ كَفى بِاللهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ}(٤٣)[الرعد: ٤٣]{وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ إِلاّ رِجالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ}(٧)[الأنبياء: ٧] فإن لم يكن بد من صرف الكلام إليه على ظاهر اللفظ، فمعناه على تقدير:
إن تشك فاسأل وإن كان ذلك التقدير لا يقع نحو {لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلاَّ اللهُ لَفَسَدَتا فَسُبْحانَ اللهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمّا يَصِفُونَ}(٢٢)[الأنبياء: ٢٢] أي لو قدر آلهة أخرى، لزم الفساد، لكن ذلك التقدير ممتنع، وهذا يتخرج على ما سبق من أن الأنبياء معصومون من وقوع الكفر، لا من جوازه عقلا.
{إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ}(٩٦)[يونس: ٩٦] سبق نظيرها في أوائل السورة، والكلام عليه، وحاصله صرفهم عن الإيمان بما يخلقه فيهم من الدواعي والصوارف.