الإيمان عند العيان، يبقى اضطراريا، والمعتبر النافع إنما هو الاختياري دون الاضراري.
{وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً}[يونس: ٩٩] احتج الجمهور بها على مذهبهم كنظائرها، ومعناها: ولو شاء الله لجمعهم على الهدى بما يخلق فيهم من دواعيه، وتأولها المعتزلة على معنى لو شاء/ [٢٢٨/ل] لأجبرهم على الإيمان واضطرهم إليه بدليل {أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النّاسَ حَتّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ}[يونس: ٩٩]، لكن الإيمان الاضطراري غير معتبر، فلذلك لم يجبرهم [فالمنفي عنهم] هو إجبارهم على الإيمان وإلجاؤهم واضطرارهم إليه، لا لهدايتهم وإرشادهم إليه، وعند الجمهور المنفي مشيئة [إيمانهم لا غير، ثم إن المشيئة] لا تخلو من التعلق بالضدين جميعا، فلما لم [تتعلق] بإيمانهم لزم أنها تعلقت بكفرهم وتعلقها موجب لوقوع/ [١٠٦ أ/م] متعلقها، فكفر الكفار وعصيان العصاة واجب الوقوع بغيره، وهو تعلق الإرادة به، وهو يقوي مقالة الجبرية.
{وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلاّ بِإِذْنِ اللهِ وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ}(١٠٠)[يونس: ١٠٠] أي يمتنع الإيمان من نفس إلا بإذن الله]، أي إرادته ومشيئته، فهذه اقتضت مع التي قبلها أن إذن الله-عز وجل-وإرادته ومشيئته، فهذه اقتضت مع التي قبلها أن إذن الله-عز وجل-وإرادته مناط ومدار للإيمان وجودا وعدما، إن وجدت الإرادة للإيمان وجد، وإن انتفت انتفى. وذلك يقوي مقالة الجمهور، ويحتج بآخر الآية من يرى أن العلوم العقلية سبب للعصمة من رجس الكفر والضلال، بطريق قياس العكس، لأنها اقتضت وقوع الرجس بمن لا يعقل، وهو يقتضي أن من يعقل لا يلحقه رجس، والمراد بمن يعقل أي يستخرج الأحكام الحقة الحقيقية بالأنظار العقلية، وهذا أحق بشرط مساعدة التوفيق، وإلا فكم من حكيم زل وذي نظر ضل.
فيه إيجاب النظر؛ لأنه مأمور به، والأمر المطلق يقتضي الوجوب، وقد سبق هذا في أوامر الأعراف، وكيفية النظر فيما في السماوات والأرض قد سبق أيضا.
{وَما تُغْنِي الْآياتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ}[يونس: ١٠١] أي عن قوم انتفى إيمانهم لتعلق مشيئة الله-عز وجل-بانتفائه، أي لا ينفع النظر في الآيات والتدبر لعجائب المصنوعات، قوما حقت عليهم كلمة العذاب فضرب بينهم وبين الإيمان حجاب.