للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إحياؤه، والاخر تسكينه أو إماتته، فإن تم مرادهما، اجتمع النقيضان أو انتفى مرادهما، ارتفع النقيضان، أو تم مراد أحدهما فقط فهو الإله الحق دون العاجز، فالإله الحق واحد.

فإن قيل: فرض اختلافهما محال، والمحال جاز أن/ [٢٩٤/ل] يلزمه المحال، ونحن إنما نثبتهما قديمين حكيمين لا يختلفان ولا يتناقضان ولا تتعلق إرادة أحدهما بنقيض ولا ضد ما تتعلق به إرادة الاخر، فلا يلزم ما ذكرتم من المحال.

قلنا: إن كان اتفاقهما في الإرادة على جهة المصانعة من كل منهما لصاحبه، واتقاء الخلاف والمنافرة له، فهما عاجزان؛ إذ هذا شأن المصانع المداري، وإن كان اتفاقهما لقدم إرادتهما بحيث لا تتعلق إرادة أحدهما بغير ما تعلق به إرادة الاخر لزم إذا تعلقت إرادتهما بتحريك جسم في وقت بعينه أن تتعلق قدرتهما أيضا بتحريكه لئلا تتناقض الإرادة والقدرة في متعلقهما، وهو محال، وحينئذ يلزم توارد القدرتين القديمتين على مقدور واحد، والعلتان المستقلتان على معلول واحد وأنه محال، وإنما قلنا: إن توارد مؤثرين مستقلين على أثر واحد محال؛ لأن وجوده بكل واحد منهما يقتضي استغناءه عن الآخر، فلو وجد [بهما جميعا] لاستغنى عنهما جميعا، فيكون موجودا بكل واحد منهما غير موجود بواحد منهما وأنه محال.

الوجه الثاني: أنه لو كان ثم إلهان لكانا مشتركين في خلق العالم وللزم العالم طاعتهما، فلو أمر أحدهما بشيء ونهى الآخر عنه، لم تتصور طاعتهما من الجميع، وإن أطاع كل واحد بعض العالم دون بعض، أوشك أن يعاقب من عصاه وأطاع الآخر، وأوشك الآخر أن يدافع عمن أطاعه، فيقع الحرب بينهما كسلطانين كل منهما يدافع عن رعيته، وذلك يفضي إلى فساد العالم لاختلافهما كما تفسد الرعية عند اختلاف ملوكها، واللازم باطل بما نراه من انتظام العالم، و [هذا تقرير الشيخ محيي الدين بن العربي في بعض كتبه المختصرة].

وأما الفلاسفة فاحتجوا على التوحيد بأنه لو كان في الوجود إلهان لكانا قديمين، ولو كانا قديمين لاشتركا في وجوب الوجود، وامتاز كل منهما [بعين ماهيته وبعينه وما به الاشتراك غير ما به الامتياز، فيلزم أن يكون كل منهما] مركبا مما به/ [١٣٩ أ/م] الاشتراك والامتياز، وهما الوجوب والتعين فيلزم أن يكون القديم الواجب مركبا وأنه محال، واعترض عليه بجواز أن يكون تعينهما أمرا عدميا وهو كون عين كل واحد منهما ليست غيرها والعدم لا يتركب مع الوجود، فلا يلزم التركيب المنافي للوجوب، وهو سؤال قوي على دليلهم فتبين أن الطريقة الجيدة الثابتة على محل النظر هي طريقة القرآن

<<  <   >  >>