للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قال ابن عاشور: «ووصف الماء بالطّهور، يقتضي أنّه مطهر لغيره؛ إذ العدول عن صيغة فاعل إلى صيغة فعول لزيادة معنى في الوصف، فاقتضاؤه في هذه الآية أنّه مطهر لغيره اقتضاء التزامي؛ ليكون مستكملا وصف الطهارة القاصرة والمتعدية» (١).

فالآيتان: «معناهما واحد، وإن اختلفت تراكيب الصّيغ، لكن الألفاظ غير مقصودة لذاتها، بل لإظهار المعنى» قاله الطّوفي (٢).

تنبيه: قوله: ﴿مِنَ السَّمَاءِ﴾ إشارة إلى أنقى ماء، وأطهره، إذا لم يختلط به شيء يكدره أو يقذره، والمعنى: أنّ الماء النازل من السماء هو بالغ نهاية الطهارة في جنسه من المياه.

وقد كان ماء المطر معظم شراب العرب المخاطبين حينئذ، ولذلك يقال لهم: بنو ماء السّماء، وفي البخاري في قصّة سارة: (تلك أمكم يا بني ماء السماء) (٣).

قال الحافظ ابن حجر: «كأنّه خاطب بذلك العرب؛ لكثرة ملازمتهم للفلوات التي بها مواقع القطر؛ لأجل رعي دوابهم» (٤).

مما يدل على أنه لا مفهوم له مخالف، أي إن ماء غير السماء مطهر أيضاً.

فائدة: اختلف العلماء هل جميع المياه مصدرها من ماء السّماء؟

فمنهم من ذهب إلى ذلك مستدلًا بقوله تعالى: ﴿وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ


(١) التحرير والتنوير (١٩/ ٤٧ - ٤٨).
(٢) شرح مختصر الروضة (١/ ١٢٤).
(٣) أخرجه البخاري كتاب الأنبياء، باب قول الله تعالى: ﴿وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا﴾ وقوله: ﴿إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ﴾ وقوله: ﴿إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ﴾ برقم (٣١٧٩)، ومسلم كتاب الفضائل، باب من فضائل إبراهيم الخليل ، برقم (٢٣٧١).
(٤) فتح الباري (٦/ ٣٩٤).

<<  <   >  >>