للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومأخذ الحكم وسبب الخلاف فيه: ورود الاسم الشّرعي، وهو الصّلاة هنا في سياق النهي، وعند كثير من الأصوليين أنّه إن ورد في سياق النهي فإنّه مجمل، بخلاف ما لو ورد في سياق إثبات أو أمر فإنّه ينصرف إلى الصّلاة المعهودة المعروفة الشرعية، ولا يحمل على المعنى اللغوي، وهو الدعاء هنا.

ولما كان اللفظ عند البعض مجملًا تلمس كل قوم ما يؤيد ما ذهب إليه بأدلة أخرى.

فمن قال: بأنّها نزلت في القراءة بالصّلاة الشّرعية المعروفة أيدّ قوله بسبب نزول الآية، وقد روى الشيخان من حديث ابن عباس أنها نزلت في القراءة في الصّلاة (١).

وعليه فاستنبط العلماء استحباب التوسط في القراءة في الصّلاة الجهرية بين المبالغة في رفع الصوت والإسرار.

وأيدوا قولهم بتفسير الصّحابي، وهو حجة، وقد فسّر ابن عباس الآية بذلك حيث قال: ﴿وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ﴾ أي: لا تعلن الصّوت بقراءة القرآن إعلانًا شديدًا، ﴿وَلَا تُخَافِتْ بِهَا﴾ أي: لا تخفض صوتك حتى لا تسمع أذنيك.

أمّا من قال: بأن المراد بالصّلاة هنا المعنى اللغوي، وهو الدعاء، فأيدوا قولهم بسبب النزول - كذلك- وقد أخرج البخاري عن عائشة أنها نزلت في الدعاء (٢)، وزاد ابن جرير في رواية في التشهد (٣).


(١) أخرجه البخاري في كتاب التفسير، باب ﴿وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا﴾، برقم (٤٧٢٢)، ومسلم (٤٤٦)، وذلك عندما كان بمكة متوار، فكان إذا صلى بأصحابه رفع صوته بالقرآن، فإذا سمع ذلك المشركون سبوا القرآن، ومن أنزله، ومن جاء به.
(٢) أخرجه البخاري في كتاب التفسير، باب ﴿وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا﴾، برقم (٤٧٢٣).
(٣) تفسير الطبري (١٧/ ٥٨٧) ت شاكر.

<<  <   >  >>