للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقال: ﴿فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ﴾ فدل على أن اللعان شهادة، والعبد لا تجوز شهادته، وليس ذلك بصحيح؛ لأن الاستثناء منقطع، والمعنى فيه: ولم يكن لهم شهداء غير قولهم الذي ليس بشهادة، كما قالوا الصبر حيلة من لا حيلة له، والجوع زاد من لا زاد له. فاللعان يمين وليس بشهادة، وإنما أخذ من باب الشهادة بالعين والقلب، فسمي شهادة لهذه العلة، فالخلاف يرجع إلى أن اللعان هل هو يمين أو شهادة؟» ا. هـ (١).

واستدل ابن العربي بالاستقراء على أنها يمين، فقال: «والفيصل في أنه يمين، لا شهادة أن الزوج يحلف لنفسه في إثبات دعواها، وتخليصه من العذاب؛ وكيف يجوز لأحد أن يدعي في الشريعة لنفسه بما يوجب حكماً على غيره؟ هذا بعيد في الأصل، معدوم في النظر» (٢).

ذكر الشيخ محمد الأمين الشنقيطي في كونها شهادة أو يمين، والخلاف المبني على ذلك من كون القائل يكون اللعان شهادة لا يصح عنده اللعان إلا ممن تجوز شهادته، ثم قال: «وأظهر الأقوال عندي: أنها أيمان مؤكدة بالشهادة، وأن لفظ الشهادة ربما أطلق في القرآن، مراداً بها اليمين، مع دلالة القرائن على ذلك، وإنما استظهرنا أنها أيمان لأمور:

الأول: التصريح في الآية بصيغة اليمين في قوله: ﴿فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ﴾؛ لأن لفظة ﴿بِاللَّهِ﴾ يمين، فدلَّ قوله ﴿بِاللَّهِ﴾ على أن المراد بالشهادة اليمين؛ للتصريح بنص اليمين، فقوله: أشهد بالله في معنى: أقسم بالله.

الثاني: أن القرآن جاء في إطلاق الشهادة، وأراد اليمين في قوله: ﴿فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِنْ شَهَادَتِهِمَا﴾ [المائدة: ١٠]، ثمَّ بيَّن أن المراد بتلك الشهادة اليمين في


(١) ينظر: أحكام القرآن لابن الفرس (٣/ ٣٤٦).
(٢) ينظر: أحكام القرآن لابن العربي (٣/ ٣٥٣).

<<  <   >  >>