وأرجع بعضهم الخلاف فيها للخلاف في القراءتين الواردتين فيهما، وهما: ﴿أَوْ لَامَسْتُمُ﴾ أو ﴿لمستم﴾. فقيل: معناهما واحدٌ.
وقيل: إن قراءة ﴿لمستم﴾ بدون ألف: الجماع، ويحتمل أن يكون المراد مجرد اللمس باليد. أمّا قراءة ﴿أَوْ لَامَسْتُمُ﴾ بالألف فهي بمعنى الجماع.
ومأخذ الحكم: الأول: الأمر الوارد بقوله ﴿فَتَيَمَّمُوا﴾: أي إن لمستم النساء، مما يدلُّ على كونه ناقضاً. لأن الوضوء والتيمم رافعان لهذه الأحداث فأمر بهما.
ثانياً: مفهوم الشرط فيه وهو: إن لم يلمس النساء فهو غير مأمور بالتيمم أو الوضوء.
تنبيه: على القول بأن قراءة ﴿أَوْ لَامَسْتُمُ﴾ بالألف بمعنى الجماع فإنّ الآية بالمعنى تكون شاملة للحدثين الأصغر والأكبر.
فالأصغر في قوله تعالى: ﴿أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ﴾ والأكبر في قوله تعالى: أو ﴿لمستم﴾، ﴿أَوْ لَامَسْتُمُ﴾ وهو الجماع.
وقيل: إنّ الله ﷾ لما ذكر سبب الحدث، وهو المجيء من الغائط ذكر سبب الجنابة، وهو الملامسة، فبيّن حكم الحدث والجنابة عند عدم الماء، كما أفاد حكمهما عند وجود الماء، فلا يمنع حمل اللفظ على الجماع واللمس.
يقول ابن العربي:«قوله: ﴿وَلَا جُنُبًا﴾ أفاد الجماع، وأن قوله: ﴿أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ﴾ أفاد الحدث، وأن قوله: ﴿أَوْ لَامَسْتُمُ﴾ أفاد اللمس والقبل. فصارت ثلاث جمل لثلاثة أحكام، وهذه غاية في العلم والإعلام. ولو كان المراد باللمس الجماع كان تكرارا في الكلام، وكلام الحكيم ينزّه عنه والله أعلم»(١).
(١) أحكام القرآن لابن العربي (١/ ٤٤٤)، وانظر: الجامع لأحكام القرآن (٥/ ٢٢٤).