للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وبالقبلة) (١) وهنا يظهر أن الذين أولوا هذه الصفة اختلفوا فيما بينهم على تأويلها بل لا تجد فرقتين متفقتين بل في الفرقة الواحدة تجد الإختلاف، ويلزم من تأويل من تأول الوجه انه بهذه التأويلات مخلوق لان النعمة والقبلة والاعمال الصالحة مخلوقة، والبخاري رحمه الله تعالى بوب بآية القصص وهي {كل شيء هالك إلاّ وجهه} القصص ٨٨.

وبحديث (أعوذ بوجهك) فأثبت الوجه لله ثم بيّن أن وجه الله لا يكون مأولاً لأن تأويله بمخلوق يجعله مخلوقاً فأورد حينئذ الاستعاذة به والاستعاذة لا تكون بمخلوق، وهذا غاية الفقه.

قال ابن بطال: في هذه الآية والحديث دلالة على ان لله وجهاً وهو من صفات ذاته وليس بجارحة ولا كالوجوه التي نشاهدها من المخلوقين. (٢)

وقد يرد الوجه في القرآن ويراد به الثواب أو غيره، قال الامام ابن مندة في قوله تعالى: {إلى ربها ناظرة} القيامة ٢٣، قال: اجمع اهل التأويل كابن عباس وغيره من الصحابة ومن التابعين محمد بن كعب وعبد الرحمن بن سابط والحسن بن ابي الحسن وعكرمة وابو صالح وسعيد ابن جبير وغيرهم ان معناه إلى وجه ربها ناظرة. (٣) وقال: وأما الذي بمعنى الثواب فكقول الله عز وجل {انما نطعمكم لوجه الله} الانسان ٩ وقوله {ولاتطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه} الانعام ٥٢. (٤) وقد ورد عن بعض السلف كمجاهد وغيره تفسير الوجه بمعنى القبلة وهذا في موضع واحد هو قوله {فاينما تولوا فثم وجه الله} (٥) البقرة ١١٥، فان هذه الآية اختلف فيها هل هي من آيات الصفات أم لا وسواء حصل الاختلاف ام لا، فهل يصح ان يقال ذلك في بقية المواضع التي ذكر فيها الوجه؟ وقد اطال ابن القيم في مختصر الصواعق في بيان هذه المسألة من اثنين وعشرين وجهاً (٦) وقد أورد الامام البخاري رحمه الله آية القصص في كتاب التفسير فقال (كل شيء هالك إلاّ وجهه) إلاّ ملكه ويقال: إلاّ ما أريد به وجه الله فهل أول البخاري هنا؟ أو هل رضي بالتأويل؟

والجواب: أن البخاري لا ريب ممن يثبت صفة الوجه لله تبارك وتعالى على الحقيقة ويدل على ذلك انه أوردها مبوباً لها في كتاب التوحيد وهو مظنة هذه الامور الاعتقادية، ثم اتبعها بحديث (أعوذ بوجهك) فلا إشكال في إثباته للوجه صفة لله، وأما قوله إلاّ ملكه أو ما أريد به وجه الله فقد أوردها في كتاب التفسير عند تفسير سورة القصص، ومعلوم انه يريد بذلك ان هذا من تفسيرها التي تفسر به والذي يلاحظ ان البخاري ينقل عن أئمة اللغة والسلف معاني التفسير خاصة الفراء وابي عبيدة معمر بن المثنى، وقد فهم بعض شراح البخاري ان هذا تأويل منه واحتج بان قوله إلاّ ملكه غير مستقيم لان معنى الآية يكون حينئذٍ (كل شيء هالك إلاّ كل شيء) فان كل شيء ملكه (٧) ولكن البخاري هنا رحمه الله مشى على منهجه في كتاب التفسير وهو ايراد معاني الآية فان قوله (إلاّ ما اريد به وجهه) مروي عن ابن عباس ومجاهد وسفيان كما في الدرر المنثور (٨) وذكر ابو عبيدة (٩) في مجاز القرآن والفراء (١٠)


(١) الرد على بشر الدارمي ص ٥١٦ - ٥١٧
(٢) الفتح ١٣/ ٤٠٠
(٣) الرد على الجهمية لابن مندة ص ١٠٢ وتفسير الطبري ٢٩/ ١٩٢
(٤) الرد على الجهمية لابن مندة ص ١٠٣
(٥) الاسماء والصفات للبيهقي ص ٣٨٥
(٦) مختصر الصواعق ٢/ ٣٣٥ - ٣٤٢
(٧) شرح كتاب التوحيد للغنيمان ١/ ٢٧٦
(٨) الدر المنثور للسيوطي ٦/ ٤٤٧ ونسبه البغوي إلى أبي العالية ٣/ ٤٥٩.
(٩) معمر بن المثنى أبو عبيدة النحوي من أئمة العلم بالأدب واللغة، كان إباضياً، مكثر من التاليف في اللغة، (ت ٢٠٩ هـ) الأعلام (٧/ ٢٧٢).
(١٠) يحيى بن زياد الديلمي إمام الكوفيين وأعلمهم بالنحو واللغة يقال الفراء: أمير المؤمنين في النحو، وكان فقيهاً متكلماً، (ت ٢٠٧ هـ) الأعلام (٨/ ١٤٥).

<<  <   >  >>