للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لأنه لو كان مصدرا لحذفت واوه وهو الجهة وكان يقال ولكل جهة أو وجه وإنما الفعلة هنا بمعنى المفعول كالقبلة والبدعة والذبحة ونحو ذلك فالقبلة ما استقبل والوجهة ما توجه اليه والبدعة ما ابتدع والذبحة ما ذبح ولهذا صح ولم تحذف فاؤه لأن الحذف إنما هو من المصدر ... ٠٠. الخ كلامه. (١)

وقال رحمه الله:

فإنه كثيرا ما يغلط الناس في هذا الموضع إذا تنازع النفاة والمثبتة في صفة ودلالة نص عليها يريد المريد أن يجعل ذلك اللفظ - حيث ورد - دالا على الصفة وظاهرا فيها. ثم يقول النافي: وهناك لم تدل على الصفة فلا تدل هنا. وقد يقول بعض المثبتة: دلت هنا على الصفة فتكون دالة هناك؛ بل لما رأوا بعض النصوص تدل على الصفة جعلوا كل آية فيها ما يتوهمون أنه يضاف إلى الله تعالى - إضافة صفة - من آيات الصفات. كقوله تعالى: {على ما فرطت في جنب الله}. وهذا يقع فيه طوائف من المثبتة والنفاة وهذا من أكبر الغلط فإن الدلالة في كل موضع بحسب سياقه. وما يحف به من القرائن اللفظية والحالية

وهذا موجود في أمر المخلوقين يراد بألفاظ الصفات منهم في مواضع كثيرة غير الصفات. وأنا أذكر لهذا مثالين نافعين (أحدهما صفة الوجه فإنه لما كان إثبات هذه الصفة مذهب أهل الحديث والمتكلمة الصفاتية: من الكلابية والأشعرية والكرامية وكان نفيها مذهب الجهمية: من المعتزلة وغيرهم ومذهب بعض الصفاتية من الأشعرية وغيرهم صار بعض الناس من الطائفتين كلما قرأ آية فيها ذكر الوجه جعلها من موارد النزاع فالمثبت يجعلها من الصفات التي لا تتأول بالصرف والنافي يرى أنه إذا قام الدليل على أنها ليست صفة فكذلك غيرها. (مثال ذلك قوله تعالى {ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله}. أدخلها في آيات الصفات طوائف من المثبتة والنفاة حتى عدها " أولئك " كابن خزيمة مما يقرر إثبات الصفة وجعل " النافية " تفسيرها بغير الصفة حجة لهم في موارد النزاع. (٢)

[المطلب الثاني: ما ورد في العين]

ذكر الله تبارك وتعالى صفة العين فقال {ولتصنع على عيني} طه ٣٩ وقال {فانك باعيننا} الطور ٤٨ وقال {واصنع الفلك باعيننا} هود ٣٧ وكذلك جاء إ ثبات هذه الصفة في السنة النبوية. ففي حديث ابن عمر قال: ذكر الدجال عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: (ان الله لايخفى عليكم ان الله ليس بأعور - واشار بيده إلى عينه - وان المسيح الدجال أعور عين اليمنى كأن عينه عنبة طافية) ويقال في هذه الصفة ما يقال في الصفات الخبرية التي ثبتت بالسمع من الايمان بها على الوجه اللائق به تعالى فهذا الذي فهمه سلف الامة.

فقد فسر ابن عباس قوله (باعيننا) أنه اشار إلى عينيه وقد مرّ معنا حديث ابي هريرة حين تلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قوله تعالى {وكان الله سميعاً بصيراً} النساء ١٢٤، فوضع ابهامه على اذنه واصبعه التي تليها على عينه قال ابو هريرة رضى الله عنه: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يفعل ذلك. (٣) وقد ذكر ذلك غير واحد من السلف وتصريحهم بهذا (٤) وبوب الامام الاشعري في الابانة فقال: باب الكلام في الوجه والعينين والبصر واليدين، ثم ذكر الادلة على ذلك. وصرح رحمه الله حين ذكر جملة من أقوال اصحاب الحديث والسنة وان من عقيدتهم اثبات ان لله عينين بلا كيف (٥) وهذا هو فعل البخاري رحمه الله فقد أورد الآيات الدالة على اثبات هذه الصفة فقد جاءت في القرآن مفردة مضافة إلى الضمير وجاءت مجموعة مضافة إلى ضمير الجمع، قال ابن القيم " ذكر العين مفردة لا يدل على انها عين واحدة ليس إلا قولك افعل هذا على عيني لا يريد ان له عيناً واحدة ولما اضيفت العين إلى اسم الجمع ظاهراً أو مضمراً


(١) الفتاوى ٢/ ٤٢٧ ومابعدها.
(٢) الفتاوى ٦/ ١٤ - ١٥
(٣) رواه ابو داود في باب الرد على الجهمية من سننه ٥/ ٩٦
(٤) التوحيد لابن خزيمة ١/ ٩٦
(٥) مقالات الاسلاميين للاشعري ١/ ٣٤٥

<<  <   >  >>