للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[المطلب الثامن: وفاته]

بعد هذه الحياة الحافلة بطلب العلم وحفظه ونشره بين أقطار المسلمين مع ما حصل له من المحن في آخر عمره خاصة مع أمير بخارى خالد الذهلي الذي طلب منه أن يقرئه الجامع الصحيح فامتنع تكريماً للعلم، وقال لرسوله: إني لا أذل العلم ولا أحمله إلى أبواب السلاطين فإن كانت له حاجة إلى شيء منه فليحضرني في مسجدي أو في داري فإن لم يعجبك هذا فأنت سلطان فامنعني من المجلس ليكون لي عذر من الله يوم القيامة أني لا أكتم العلم. (١)

فكانت هذه الحادثة سبباً للوحشة بينهما فنفاه الأمير من مسقط رأسه ومربع صباه وملتقى أهله وما أشدها أن يكون الظلم من ذوي القربى، والطرد من موطن الأهل ولكن (أشد الناس بلاءً الأنبياء ثم الصالحون) فذهب إلى (خرتنك) من قرى سمرقند وهي على فرسخين منها (٢) وكان له بها أقرباء فنزل عندهم.

وقد سمعه بعضهم في ليلة يدعو بعد صلاة الليل: اللهم قد ضاقت عليّ الأرض بما رحبت فاقبضني إليك، قال: فما تم الشهر حتى قبضه الله.

قال ورّاقه: سمعت غالب بن جبريل - وهو الذي نزل عليه البخاري- يقول: أقام عندنا أياماً فمرض واشتد به المرض حتى جاء رسول من أهل سمرقند يلتمسون منه الخروج إليهم فأجاب ثم تهيأ للركوب فلبس خفيه وتعمم فلمّا مشى قدر عشرين خطوة أو نحوها وأنا آخذ بعضده ورجل آخر معي يقود الدابة ليركبها، فقال -رحمه الله-: أرسلوني قد ضعفت فدعا بدعوات ثم اضطجع فقضى رحمه الله، فسال منه العرق شيء لا يوصف فما سكن منه


(١) هدي الساري (٤٩٣) تاريخ بغداد (٢/ ٣٣).
(٢) معجم البلدان لياقوت الحموي ٢/ ٣٥٦ وقال: بها قبر الإمام البخاري. وهي الان في جمهورية اوزبكستان

<<  <   >  >>