للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المناقشة والترجيح

لا شكَ أن اختلاف الفقهاءِ في حُكم النكاح دليلٌ على أهميته, ولكن هذا لا يعني الوقوف عند هذا الخلاف, وعدم الخروج برؤيةٍ واضحة في حكمه الشرعي؛ فمن قال بوجوبه نظر إلى ظواهر النصوصِ الداعية إليه, والناهية عن التبتل, وحملها على الوجوب كما أسلفنا؛ ومن قال بسنيته, نظر إلى مجموع النصوص الحاثة عليه, والمرغبة فيه, وفهم منها الندبَ, وجعلها صارفة للنصوص التي يُفهم من ظاهرها الوجوب.

فمن ذلك قوله تعالى: {وَأَنكِحُوا الْأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} (١) نصٌ ظاهره الوجوب، صرفته الآيةُ الأخرى بقوله: {فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء} (٢) فإنه أناط الحكمَ باختيارنا واستطابتنا، والواجبُ ليس كذلك. (٣)

وكذا قوله: {مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ} وهذا العددُ ليس واجباً على الناكح بالإجماع. (٤) بمعنى أن الأمرَ لو كان للإيجاب؛ لاشتمل على وجوب النكاح, وكذا وجوب التعدد معاً، إذ الأمرُ بهما واحدٌ وفي آية واحدة.

وكذلك قوله في نهاية الآية: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُوا} فإنه جعلَ نكاحَ ملك اليمين الذي ليس بواجب, مقروناً بنكاح الحرة. (٥) بمعنى أنه لو كان نكاح الحرة واجباً؛ لما قرنه بما ليس بواجب. وقد احتج الشافعي رحمه الله تعالى بقوله تعالى: {وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاء ذَلِكُمْ أَن تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُم مُّحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ} (٦) ـ بعد أن سرد المحرمات من النساء ـ قال: أخبر عن إحلال ما دون المحرمات, والمحللُ والمباح من الأسماء المترادفة، وكذلك قوله: {وَأُحِلَّ لَكُم} ولفظة لكم تستعمل في المباحات. (٧)

وعلى ذلك تكون النصوصُ دالة على ندبية النكاح, والترغيب فيه, من غير وجوب.


(١) سورة النور الآية رقم ٣٢
(٢) سورة النساء الآية رقم ٣
(٣) كفاية الأخيار ١/ ٤٦٠
(٤) مغني المحتاج ٣/ ١٦٨
(٥) المصدر السابق
(٦) سورة النساء الآية رقم ٢٤
(٧) بدائع الصنائع ٢/ ٤٨٣

<<  <   >  >>