الصف الطويل-: وهذا لعمري يكون مع تقوس الصف، فأما مع الاستواء فلا تمكن المحاذاة، وإنما طريقه الظن، وإذا لم يتعين المخطئ فلا يجب على أحد القضاء. قلت: وقول ابن الصباغ: وهذا لعمري يكون مع تقوس الصف، مؤذن بأن محل الكلام إذا كان بمكة، وإلا فلا معنى للتقوس. انتهى.
وهذا الذي ذكره من أنه لا معنى للتقوس عجيب جدًا، وكلام ابن الصباغ على عمومه، فإن الصف الطويل الخارج عن مكة متى لم يتقوس، وإلا خرج بعضه عن المحاذاة قطعًا كما في مكة.
قوله: وقد قال الأصحاب: إنه إذا كان بمكة وبينه وبين الكعبة حائل خلقي كالجبال والتلال جاز له الاجتهاد عند فقد المخبر- كما سنذكره- وإن كان الحائل طارئًا كالبناء فهل يلزمه طلب اليقين، أو يجوز له الاجتهاد كما لو كان الحائل خلقيًا؟ فيه وجهان، قال في ((المهذب)) و ((التتمة)): إن ظاهر المذهب منهما: الثاني. وهو المختار في ((التهذيب)) و ((المرشد))، وقال القاضي أبو الطيب: إنه أشبه بالصواب. وقال الغزالي: إنه بعيد. انتهى كلامه.
وما حكاه عن القاضي أبي الطيب من جواز الاجتهاد لمن هو بمكة- سواء كان الحائل خلقيًا أو حادثًا- قد نقل عنه بعد ذلك بدون صفحة عكسه، فقال: وقال أبو الطيب: إن من كان بمكة ففرضه طلب اليقين، سواء كان الحائل أصليًا أو طارئًا، ومن كان خارجًا عنها: فإن كان مكيًا ففرضه- أيضًا- طلب اليقين كيف كان الحائل، وإن كان غريبًا: فإن كان الحائل أصليًا ففرضه الاجتهاد، وإن كان حادثًا ففيه الوجهان. هذه عبارته، وهو كما ذكرناه، أعني على عكس المتقدم، وقد راجعت كلام القاضي فوجدته موهمًا.
قوله: ولو انهدم البيت- والعياذ بالله تعالى- ولم يبق من جدرانه شيء شاخص، فالواجب: أن يستقبل جميع العرصة، فلو وقف بوسط العرصة واستقبل باقيها لم يصح، وعن ابن سريج أنه يصح، وهو خلاف النص، قال الإمام: ولا شك أن تخريج ابن سريج يجري فيما لو صلى على ظهر الكعبة. وهذا منه دال على أن ابن سريج إنما نص على الجواز في العرصة، وكذا حكاه بعضهم، وصرح في ((التهذيب)) عنه بنفي الجواز على ظهر الكعبة، والفرق لائح، إذ لا شيء عند انهدامها يستقبل غير العرصة، فقام بعضها مقام كلها، كما قام بعض بناء البيت مقام كله، ومع بقائها لا يستقبل عرصتها، فلذلك امتنعت الصلاة على ظهرها من غير شاخص. انتهى كلامه.