فإن الحديث رواه البخاري في ((صحيحه)) عن سفيان التمار أنه شاهد ذلك، ولأجل ذلك اعتذر البيهقي عن الحديث كما نقله عنه النووي في ((شرح المهذب)) بأمور، منها: أنه كان أولًا كذلك، ثم وقعت حائط البيت فأعيد مسنما، ومنها: أنه وإن كان صحيحًا إلا أنه من فعل الصحابة، رضي الله عنهم.
ثم إن تعبيره- أيضًا- في مثل هذا بالمرسل غير مستقيم، فتأمله، وأين الإرسال هاهنا؟!
قوله- في المسألة-: نعم، قال أبو علي الطبري في ((الإفصاح))، وكذا أبو علي بن أبي هريرة: إن تسنيمه الآن أفضل، لأن التسطيح صار شعارًا للروافض. وزاد فقال: إنه لا يجهر بالتسليم، لأنه صار شعارًا لهم، وكلام الغزالي قد يفهم منه اختيار ما صار إليه ابن أبي هريرة من ترك الجهر بالسلام. انتهى.
فيه أمران:
أحدهما: أن عزو اختيار التسنيم إلى ((الإفصاح)) غلط، فإن المذكور فيه هو اختيار التسطيح، فقال: ويرش عليه الماء، ليستمسك التراب، ويوضع عليه الحصباء.
ثم قال: وقد ذكرنا أن القبر يسطح، لما روي أنه- عليه السلام- سطح قبر ابنه إبراهيم، وقال القاسم: رأيت قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر وعمر مسطحة.
وقال بعض أصحابنا: هذا إنما يفعل إذا لم يؤد ذلك إلى افتنان العامة، وإيهام أن صاحب القبر يميل إلى البدعة. هذا كلامه، ومن ((الإفصاح)) نقلته، وهو مذكور في وسط كتاب الجنائز لا في الكلام على الدفن، فاعلمه، وحاصله حكاية وجه في المسألة، كما حكاه الرافعي والمصنف وغيرهما. ثم إنه لم يطلقه، بل قيده بحالة التوهم، وهذا أن وقع فإنما يقع في بعض النواحي، وإلا فأكثر الأماكن لا يعرفون فيها ذلك بالكلية. وسبب وقوع المصنف في هذا الغلط: أن أبا علي بن أبي هريرة شيخ أبي على الطبري ذهب إلى هذه المقالة، وهو الذي عبر عنه في ((الإفصاح)) بـ ((بعض الأصحاب)). ثم إن الشيخ أبا إسحاق رأى ذلك معزوا على أبي علي، فتوهم أنه الطبري، لا ابن أبي هريرة، فصرح به في ((المهذب)) غالطًا فيه، ثم إن المصنف وقف على ((المهذب))، فقلده، وزاد عليه أنه في ((الإفصاح))، لكونه هو الكتاب المشهور عنه، فتفطن لهذه الأمور، واحمد الله على تيسير الوقوف عليها!
الأمر الثاني: أن ما نقله من تعدية ذلك إلى الجهر بالتسليم في الصلاة قد تكرر منه كما ذكرته في لفظه الذي نقلته عنه، وهو غلط عجيب حصل من تحريف، وصوابه- وهو الذي ذكره الإمام والغزالي والرافعي والنووي في كتبهم-: إنما هو البسملة، أي: