وما نقله عن الأكثرين هنا قد نقل عنهم عكسه في كتاب الظهار كما تقف عليه في موضعه- إن شاء الله تعالى- والمذكور هنا هو الصواب.
قوله: ولا يلتحق بالمسكن والخادم الحاجة إلى التزويج، فيقدم الحج عليه، اللهم إلا أن يخاف العنت، فيكون صرف المال إلى النكاح أهم من صرفه إلى الحج. هذه عبارة الجمهور، كما قال الرافعي، وعللوه بأن حاجة النكاح ناجزة، والحج على التراخي، قال: والأسبق إلى الفهم من التقديم الذي أطلقوه: أنه لا يجب الحج والحالة هذه، ويصرف ما يملكه إلى مؤنات النكاح، وقد صرح الإمام بهذا المفهوم. قلت: الذي حكاه الإمام عن العراقيين العبارة المذكورة. انتهى كلامه.
وما ذكره- رحمه الله- مستدركًا على الرافعي من أن الإمام إنما حكى عن العراقيين ما ذكره الجمهور في عبارتهم، غلطٌ عجيب، فإن الإمام قد قال ما نصه: قال العراقيون: لو فضل شيء، وخاف العنت لو لم يتزوج، وكان بحيث يباح له نكاح الأمة- لم يلزمه أن يحج، بل له صرف المال إلى النكاح، لأنه في حكم ضرورة ناجزة، والحج على التراخي، فإذن لا استطاعة ولا وجوب. هذا لفظ الإمام بحروفه، وكأن المصنف اقتصر على نقل أول الكلام ولم ينظر آخره، فوقع في هذا الغلط الفاحش، إذ لا ينبغي الاستدراك إلا بعد تثبت.
قوله: لما روى البخاري ومسلم أن امرأة من خثعم قالت: يا رسول الله، إن فريضة الله في الحج على عبادة أدركت أبي شيخًا كبيرًا لا يستطيع أن يستمسك على الراحلة، أفأحج عنه؟ قال:((نعم)). قالت: أينفعه ذلك؟ قال:((نعم، كما لو كان على أبيك دين فقضيته نفعه))، فشبه الحج بالدين الذي لا يسقط، فوجب أن يتساويا في الحكم. انتهى كلامه.
واعلم أن هذه الزيادة- وهي قوله: قالت: أينفعه ... إلى آخر الحديث- ليست في ((الصحيحين)) ولا في أحدهما، بل فيهما الحديث بدونها. نعم، رواها في الحديث المذكور الشافعي في ((الإملاء))، ورواها- أيضًا- أحمد والنسائي بإسناد جيد كما قاله النووي في ((شرح المهذب))، لكن عن رجل لا عن امرأة.
قوله: واعلم أن قول الشيخ: ((ولا يؤدي نذر الحج وعليه فرض الإسلام))، يجوز أن يريد بفرض الإسلام: حج الإسلام، ويجوز أن يريد به فرض الإسلام من حج أو عمرة على الجديد، حتى إنه إذا كان قد حج الفرض ولم يعتمر لا يحرم بحجة نذرها، وهذه الصورة لم أقف فيها على شيء، لكن الذي يظهر الجواز، إذ لو امتنع ذلك