الأمر الثالث: أن حكاية القولين في التفاح- أيضًا- غلط، بل يجوز شمه بلا خلاف كما هو موجود في كتب الأصحاب، وصرح بذلك- أعني بنفي الخلاف فيه- جماعة منهم النووي في ((شرح المهذب))، وكيف يمكن أن يقال بجريان القولين فيه، وبالجواز جزمًا في الأترج؟! وهو- أيضًا- يبطل ما ادعاه في النبق، ويوضح الوهم السابق ذكره، وهذا الذي وقع فيه المصنف سببه تحريف ((اللفاح)) الذي أوله لام بـ ((التفاح)) المعروف، فإن الجماعة الذين ينقل عنهم ذلك ذكروه في ((اللفاح)) وهو مثله في الحروف والوزن لفظًا وخطًا، إلا ما ذكرناه من أول هذا لام، وذاك تاء، وهو معروف أكبر من التفاح وأطيب رائحة، وقد نقل في ((شرح المهذب)) عن البندنيجي حكاية القولين في اللفاح- باللام- وهو أحد الجماعة الذين نقل عنهم المصنف ذلك، ولولا أن المصنف حين ذكر التفاح أولًا أحال على هذا الكلام- كما سبق- لكان يمكن أن يقال: إن ذلك سبق قلمٍ منه.
قوله: قال الأصحاب: أما الجلوس عند الكعبة وهي تجمر- أي: تبخر- فلا يكره، وإن قصد ذلك لأجل الطيب، وأما الجلوس عند العطار وعند المتطيب فقد قال البندنيجي: إنه ينظر" فإن كان لغير شم الطيب لم يكره قولًا واحدًا، وإن كان لشم الطيب كره، وأطلق الرافعي حكاية قولين فيما إذا جلس عند الكعبة وعند حانوت العطار، وقال: إن أصحهما: الكراهة. وحكي عن القاضي الحسين: أن الكراهة ثابتة لا محالة، والخلاف في وجوب الفدية. والذي رايته في ((تعليقه)): أنه هل يكره أن يستنشق الروائح الطيبة؟ فيه وجهان، وينبغي أن يخرج في وجوب الفدية- إذا قصد الاستنشاق- وجهان، كالصائم إذا فتح فاه حتى وصل إلى جوفه غبار الطريق وغربلة الدقيق، فإن في حصول الفطر به وجهين. انتهى كلامه.
واعلم أن التخريج الأخير- أيضًا- من كلام القاضي، إذا علمت ذلك ففيه أمور:
أحدها: أن مقتضى كلامه في نقله عن الرافعي أنه لم يفصل بين أن يقصد الشم أو لا يقصد، بل حكى قولين، وصحح الكراهة، وليس كذلك، فإن المذكور في ((الرافعي)) إنما هو التفصيل، فقال: أحدهما: لو عبق به الريح دون العين، بأن جلس في حانوت عطار، أو عند الكعبة وهي تجمر، أو في بيت يجمر ساكنوه فلا فدية، لأن ذلك لا يسمى تطيبًا. ثم إن قصد الموضع لا لاشتمام الرائحة لم يكره، وإن قصده لاشتمامها كره على الأصح، وعن القاضي الحسين: أن الكراهة ثابتة لا محالة،