والخلاف في وجوب الفدية. هذا لفظ الرافعي، وقد ظهر لك- أيضًا- من كلام الرافعي: أنه لم يحك قولين بخصوصهما، بل حكى خلافًا محتملًا للقولين وللوجهين. نعم، جعله النووي في ((الروضة)) قولين.
الأمر الثاني: أن ما نقله الرافعي عن القاضي الحسين لم يعزه إلى ((تعليقته))، بل عبر بقوله: وعن القاضي- كما تقدم- والنقل المذكور قد حكاه المتولي في ((التتمة)) عن لفظه، لا عن تصنيفه، فقال بعد حكاية القولين: وكان القاضي الإمام الحسين يقول: إذا قصد القعود عند العطار أو عند الكعبة لاستنشاق الرائحة فهو مكروه، والاختلاف في وجوب الفدية. هذا لفظ المتولي، ولما لم ينظره الرافعي في كلام القاضي عبر بقوله:((وعن))، ولم يجزم به، تقليدًا للمتولي مع أنه تلميذ القاضي، وهذا في غاية الاحتراز والتحرير. ثم راجعت- أيضًا- ((التعليقة)) للقاضي فوجدته كما نقله المتولي أو قريبًا منه، فإنه بد ذكره لما نقله ابن الرفعة عنه من تخريج الوجهين في وجوب الفدية قال: ثم المستحب ألا يجلس عند العطارين، ولا يدخل البيت الذي يخزن فيه العود. هذا لفظه، فتلخص من ((تعليقة)) القاضي: أنه لا ينبغي له فعله، فإن فعل ففي الفدية وجهان، وهو عين ما نقله الرافعي، إلا أنه لم يصرح بالكراهة. وأما ما ذكره المصنف عن ((تعليقه)) القاضي فهو مسألة أخرى، لأن كلام الرافعي فيما إذا قصد الموضع لذلك، وهو أخص مما تكلم فيه ابن الرفعة، إذ يصح حمل الوجهين المذكورين في ((التعليقة)) على ما إذا لم يقصد الموضع ولكن وصل إليه في مروره، ونحو ذلك.
الأمر الثالث: أن ما اقتضاه كلامه من مخالفة الرافعي للأصحاب وانفراده عنهم في حكاية الخلاف في الجلوس عند الكعبة بقصد الطيب، فليس كذلك، وعجب- أيضًا- فإن القاضي لما ذكر المسألة علل في آخرها عدم وجوب الفدية بقوله: لأنه لم يقصد الطيب. هذا لفظه، وقال في ((التتمة)): السابعة: إذا جلس عند الكعبة وهي تجمر، فإن لم يكن قصده اشتمام الرائحة بل قصده القربة فلا يكره، وأما إذا قصد الدنو من الموضع لأجل شم الطيب، ذكر الشيخ أبو حامد قولين: أحدهما: لا يكره، لأنه لم يحصل مستعملًا للطيب، والثاني: يكره. هذه عبارته، ثم نقل عن القاضي سماعًا ما هو أبلغ منه، وهو الجزم بالكراهة، كما سبق نقله عنه. وقال القاضي أبو الطيب في ((تعليقه)): قد ذكرنا أن جلوسه عند العطار واجتيازه في سوق العطارين جائز، وكذلك جلوسه في الكعبة وهي تجمر، وكذلك إذا دخل البستان.