أحدهما: أن الوجه الأول السابق في كلامه هو أن الثمن ما دخلت عليه الباء، وما لم تدخل عليه يكون مبيعًا، وحينئذٍ فيكون نفي المبيع في المسألة المذكورة إنما هو على الوجه الثاني لا على الوجه الأول، فانعكس على المصنف.
الأمر الثاني: أن ما ذكره من حكاية الخلاف في هذه المسألة لم ينقله عن أحد، ولم أقف عليه لغيره، وهو فاسد، لأن هذا مصارفة، والمعتبر في الصرف هو القبض الحقيقي، ولهذا جزم الماوردي بمنع الإبراء منه، وقد جزم به المصنف- أيضًا- في آخر باب الربا.
قوله: ومنها: إذا كان العوضان عرضين، فلا يجوز على الثاني الاستبدال عن واحد منهما وجهًا واحدًا. انتهى.
وما ادعاه من نفي الخلاف إذا قلنا: إن الثمن هو النقدان لا غير، باطل، وذلك لأن مثل هذا العقد ليس سلمًا على الصحيح، بل بيعًا تثبت فيه أحكامه، غير أن المبيع فيه دين، ولنا في بيع المبيع من بائعه قبل القبض خلاف مشهور، وهذا فرض منه.
قوله: أما إذا كان للبائع حق الحبس، ونقله بغير إذنه- فقد حصل نقل الضمان، وهل يملك التصرف؟ فيه وجهان في ((الوسيط))، والمذكور في ((الرافعي)) و ((الحاوي)): العدم، وفي ((النهاية)) - حكاية عن الشيخ أبي محمد أن الاستيلاء كما ذكرنا لا يقتضي نقل الضمان كما لا يقتضي التصرف، وهو بعيد. انتهى كلامه.
وما ذكره من أن الاستيلاء مع النقل لا ينقل الضمان على هذا الوجه غلط، بل محله إذا وجد الاستيلاء ولم يوجد النقل، بأن كان بساطًا فجلس عليه، أو دابة فركبها ولم يشترها، كذا صرح به في ((النهاية)) في ضمن فصل أوله: ((قال: من ابتاع جزافًا))، وذلك أنه حكم بضمان ما اشتراه جزافًا وقبضه مكايلة، وبأن قبض المنقول يتوقف على القبض على الأصح.
ثم قال ما نصه إن قلنا: لابد من النقل في قبض المبيع، وجعلنا الاستيلاء قبض عدوان- فلو وجد الاستيلاء من المشتري من غير نقل فهو كالقابض جزافًا فيما اشترى مكايلة، وذكر شيخي وجهًا آخر: أن الاستيلاء- كما صورنا- لا يقتضي نقلًا للضمان، كما لا يقتضي التسلط على التصرف، وهذا بعيد. هذا لفظ الإمام، وقد تفطن المصنف في شرح الوسيط لذلك، فذكره فيه على الصواب.