منها: أنه يلزم منه أن يكون كلام البغوي هو المشهور المعروف في المسألة، والأمر بالعكس كما دل عليه كلام الرافعي.
ومنها: أن قوله قبله: وعلى هذا، إنما يستقيم إذا ذكر قبله وبعده خلافه، ولم يذكره، ولا يمكن- أيضًا- حمله على الإشارة إلى الوجه الثاني الذي ضعفه البغوي، وهو القائل بأن الكيل يرد على البائع إذا رد الموكل عليه، لما قلناه من أن التعليل الذي علل به ناقلًا له عن الإمام، تعليلٌ لجواز رد الموكل على البائع، لا لجواز رد الوكيل عليه، ولأن المذكورين- أيضًا- لم يقولوا بذلك، بل قالوا بخلافه على اختلاف بينهم لا ضرورة لنا إلى الإطالة بذكره.
وقد ظهر لي سبب الغلط في كلام المصنف، وهو أن المشهور- كما تقدم- جواز رد الموكل على البائع، فتوهم المصنف: أن الوجه الذي ضعفه البغوي- وهو القائل بأن له الرد- يعود إلى الموكل، فأشار إليه، فقال ما حاصله أنه المعروف، والذي ضعفه البغوي إنما هو الجواز من الوكيل، وما قلته من السبب هو الموقع له بلا شك، وقد أتعبت نفسي يومًا وليلة كاملين في تحقيق هذا الموضع، ثم في تقريره، ثم في ذكر سببه.
قوله: وإن قال: اشتر بهذا الدينار شاة، فاشترى شاتين- كانا للموكل، لما روي ((انه - صلى الله عليه وسلم - دفع إلى عروة البارقي دينارًا ليبتاع به شاة، فاشترى به شاتين، فلقيه رجل، فسامومه في إحداهما، فباعها بدينار، ثم أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - ومعه شاة ودينار، وحدثه الحديث، فقال: بارك الله لك في صفقة يمينك))، فكان بعد ذلك يخرج إلى كناسة الكوفة، فيربح الربح العظيم، وكان من أكثر أهل الكوفة مالًا.
وقيل: للوكيل شاة بنصف دينار، والأخرى للموكل، والحديث قد قيل: إنه مرسل، كما حكيناه عند بيع الفضولي، فلا حجة فيه، وإن صح- كما ذكر عبد الحق- أن البخاري خرج عن شبيب بن غرقدة قال: سمعت الحي يتحدثون عن عروة ((أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أعطاه دينارًا ...)) وذكر الحديث، ففيه ما يستدل به لهذا القول. انتهى كلامه.
وما توهمه من أن رواية البخاري هنا متصلة محتج بها، ليس كذلك، فإن قول الراوي: سمعت الحي يتحدثون، هو عين الإرسال الذي أشار إليه من قال: إنه مرسل، لأن عدالة الراوي شرط، ولم تحصل تسميته حتى تعرف عدالته، كذا صرح به البيهقي