يعني: أن من لم يمر في طريقه بميقات، فإنه يحرم إذا حاذى الميقات. والظاهر أنه إن كان يحاذي ميقاتين انه بمنزلة من يمر بميقاتين وقد تقدم. قال سند وصاحب الذخيرة: ومَنْ مَنزِله بين ميقاتين فميقاته منزله. قال مالك: وانظر هل معناه أنه محاذ لميقاتين، أو أنه بعد ميقات وقبل آخر، كأهل بدر؟ قال في النوادر: قال مالك: ومن حج من البحر من أهل مصر وشبههم، فليحرم إذا حاذى الجحفة. ومن كان منزله حذاء ميقات أحرم منه، وليس عليه أن يأتي الميقات. قال سند بعد هذا: وهذا حكم من سافر من أرض مصر في بحر القلزوم؛ لأنه يأتي على ساحل الجحفة ثم يجاوزه إلى جدة، ولم يكن السفر يومئذ من عذاب ولا عرفوه؛ لأنها كانت من أرض المجوس أما اليوم فمن سافر منها أحرم عند وصوله إلى البر ولا يلزمه أن يحرم في البحر محاذياً للجحفة لما فيه من التغرير وركوب الخطر بأن ترده الريح إلى البر فيبقى عمره محرماً حتى يتيسر له إقلاع سالم، وهذا من أعظم الحرج، وقد نفاه الله تعالى. وإذا ثبت الجواز فلا دم عليه؛ لعدم دليل يدل على ذلك، وإنما أوجبناه على من سافر من القلزوم؛ لأنه كان قادراً على البر والإحرام من نفس الجحفة، وواسع أن يؤخر إحرامه لما فيه من المضرة إن ترك البر وفارق رحله، أو أحرم في البحر على التغرير، فيؤخر هذا إحلاله حتى يأمن ويهدي، إلا انه لا يرتحل من جدة إلا محرماً؛ لأن جواز التأخير كان لضرورة وقد زالت، وهل يحرم إذا وصل البر لأنه مجاوز للميقات وهو حلال وقد زالت الضرورة، أو إذا ظعن من جدة؟ وهو الظاهر؛ لأن سنة من أحرم وقصد السير أن يتصل إحرامه بسيره، وروى ابن وهب في موطئه عن مالك: لا ينبغي لأحد يهل بحج أو عمرة ثم يقيم بأرض أهلَّ بها، ورواه ابن عبد الحكم أيضاً، ولان المحظور أن يقطع مسافة بعد الميقات وهو حلال من غير ضرورة، وهذا لا يكون إلا بالسير. انتهى باختصار.