للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال في البيان: أما إذا نصب يديه للمطر فحمل فيهما من ماء المطر ما ينقلُه إلى وجهِه وسائرِ أعضائه غاسلاً لها، ومِن بللِه ما يَمسح به رأسَه– فلا اختلاف في صحة وضوئه.

وذهب ابنُ حبيب إلى أنه لا يجوز له أن يمسح بيديه على رأسِه بما أصابه مِن الرشِّ فقط، وكذلك– على مذهبه– لا يجوز أن يَغسل ذراعيه ورجليه مما أصابهما من ماء المطر دون أن ينقل إليهما الماءَ بيديه مِن ماءِ المطر. وحكاه عن ابن الماجشون، وهو دليلُ قولِ سحنون في هذه الرواية، وذلك كله جائزٌ على مذهب ابن القاسم، ورواه عيسى عنه فيما حكاه الفَضْلُ، وذلك قائمٌ من المدونة في الذي توضأ وأَبْقَى رجليه فخاضَ بهما النهرَ فَغَسَلَهُما فيه: إِن ذلك يُجزئه إذا نوى به الوضوء، وإن لم يَنقل إليهما الماءَ بيده. ومثلُه في سماع موسى بن معاوية، ومحمد بن خالد مِن هذا الكتاب. وقد أَجمعوا أن الجُنُبَ إذا انغمس في النهر وتدلَّك فيه للغُسل أنّ ذلك يُجزئه، وإن كان لم ينقل الماء بيده إليه ولا صَبَّه عليه، وذلك يدل على ما اختلفوا فيه من الوضوء.

وأما قوله: (إذا وقع من المطر ما يبل به جسده فعليه أن يتجرد ويتطهر) فمعناه إذا وقع عليه في أول وهلة من ماء المطر ما يَبُلُّ به جسدَه فعليه أن يَتجرَّد ويتطهرَ؛ لأنه إذا مَكَثَ للمطرِ تضاعف عليه البللُ، فكثر الماءُ على جسدِه فأَمْكَنَه التدلكُ. وأما لو لم يقع عليه مِن ماء المطر إلا ما يبل جسدُه لا أكثرَ لَمَا كان ذلك غُسلاً ولا أجزأه؛ لأن الاغتسال لا يكونُ إلا بإفاضةِ الماءِ، أَلا تَرَى إلى قوله في الحديث: "ثمَّ اغْتَسَلَ فَأَفاضَ عَلَيْهِ المَاءَ". وبالله التوفيق. انتهى.

فأنت ترى ابنَ رشدٍ كيف حكى اشتراطَ النقلِ في الصورةِ المذكورةِ، وعلى هذا فالصورُ ثلاثٌ: منها ما اتُفق فيه على عدم النقلِ– وهي مسألةُ النهرِ– كما ذكر ابن رشد. ومنها ما اختُلف فيه – وهي مسألة سحنون. ومنها ما اتُّفق فيه على وجوبِ النقلِ، وهي

<<  <  ج: ص:  >  >>