أي: فإِنِ انْتَشَرَتِ النجاسةُ على أَحَدِ المَخْرَجَيْنِ كثيراً فلا يُجزئُ فيها الاستجمارُ، وإن كان قريباً جدّاً فقولان.
ابن رشد: مبنيان على الخلاف فيما قَرُبَ مِنَ الشيءِ هَلْ يُعْطَى حُكمُه أم لا؟ وهذه القاعدةُ كثيراً ما يذكرُها الفقهاءُ، ولم أَجِدْ دليلاً يَشهد لِعَيْنِها. فأمّا إعطاؤه حكمَ نفسِه فهو الأصلُ، وأما إعطاؤه حكمَ ما قارَبَهُ فإن كان مما لا يَتِمُّ إلا به فهو واجبٌ، كإمساكِ جزءٍ من الليل فهذا مُتَّجِهٌ، وإن كان على خلافِ ذلك فقد يُحتجُّ له بحديث:"مَوْلَى القَوْمِ مِنْهُمْ" وبقوله صلى الله عليه وسلم: "المَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ". انتهى.
وقوله:(قَرِيباً جِدّاً) أَحْسَنُ مِن قول ابن الجلاب: وما قارَبَ المخْرَجَ مما لا بُدَّ منه، ولا انْفِكَاكَ عنه- فَحُكْمُه- عندي في العفوِ- حُكْمُ المَخْرَجَيْنِ. وقال ابن عطاء الله: هو في العفوِ بخلافِه؛ لأنه إذا لم يُمْكِنُ الانفكاكُ عنه يلزمُ- على قولِ ابن عبد الحكم- تَرْكُ الاستجمارِ بالكُلِّيَّةِ.
وَالْمَنِيُّ بِالْمَاءِ
ابن عبد السلام: إن عَنَي به منيَّ الصِّحَّةِ- غيرَ مَنِيِّ صاحبِ السَّلَسِ- فغيرُ محتاجٍ إليه هنا؛ لا يجابِه غَسْلَ جميعِ الجسدِ، وإن عَنَى به منيَّ المَرَضِ- كمَنِيِّ صاحبِ السَّلَسِ- فلمَ لا يَكونُ كالبولِ على قولِ مَن رَأَى أنه مُوجِبٌ للوضوء؟ وقد يمكن أن يُريد القسم الأول في حق مَن كان فرضُه التيممَ لمرضٍ أو لعدمِ ماءٍ، ومعه ما يُزيل به النجاسةَ فقط.
ابنُ هارون: وكذلك دمُ الحيض والنفاس، فلا معنى لتخصيص المنيِّ بذلك. وأشار القاضي عياضٌ إلى أن البولَ مِن المرأة لا بُدَّ فيه أيضاً مِن الماء؛ لتعذر الاستجتمارِ في حقَّها وكذلك قال سندٌ أن المرأةَ والخصيَّ لا يكفيهما الاستجمارُ في البول، ونقله في الذخبرة.