وقوله: (وَإِلا) أي: وإن كانت مفارقته أكثر –وهو القسم الثالث- فالْمَشْهُورِ الوجوبُ خلافاً للعراقيين في أنه عندهم مستحَبٌ.
وأشار إلى الرابع بقوله: (أَمَّا إِنْ لَمْ يُفَارِقُ فَلا فَائِدَةَ فِيهِ) أي: في الوضوء لا إيجاباً ولا استحباباً , وهذا فى السَّلَسِ. وأما المعتادُ فلا إشكالَ فى وجوب الوضوء منه.
وهذا التقسيمُ لا يَخُصُّ حَدَثاً دون حدثٍ. وقد قال الإِبِّيَانِىّ فى من بجوفِه علةٌ أو شيخٍ يَستنكِحُهُما الريحُ: إنه كالبولِ.
وسُئل اللخميُّ عن الرجل إِنْ توضَّأَ انتقضَ وضوؤه, وإن تيمم لم ينتقض. فأجاب بأنه يتيممُ. ورَدَّهُ ابنُ بشير بأنه قادرٌ على استعمالِ الماءِ فهو مخاطَبٌ باستعمالِه, وما يَرِدُ عليه يُمنع كونُه ناقضاً. ابن عبد السلام: ومعنى الملازمة هنا –والله أعلم- أن يأتيه البولُ مقدارَ ثُلُثَيْ ساعةٍ مثلاً وينقطع عنه ثلثاً, ثم يأتى ثلثي ساعةٍ مثلَ ذلك, فيعمُّ سائرَ نهارِه وليلِه. وكان بعضُ مَن لقيناه يقول: إنما تُعتير ملازمتُه ومفارقتُه فى أوقاتِ الصلاةِ خاصةً؛ لأن الزمانَ الذى يُخاطب فيه بالوضوء, وهذا وإن كان فى نفسه مناسباً, لكنّه مِن الفَرْضِ النادِر. وأيضاً فإذا كان الأمرُ على ما قال فلا يَخلو وقتٌ مِن أوقات الصلاة مِن بولٍ, سواءٌ لازَمَ أكثرَ ذلك الوقتِ أو نصفَه أو أقله, فلا بُدَّ مِن وجودِ النقضِ, فيستوي مشقةُ الأقلِّ والأكثرِ, فيلزم استواءُ الحُكْمِ. انتهى.
ابن هارون: وهذا هو الظاهرُ؛ لأن غيرَ وقتِ الصلاةِ لا عِبْرَةَ بمُفارقتِه وملازمتِه, إِذْ ليس هو مخاطَباً حينئذٍ بالصلاةِ. انتهى.
وهذا الذى كان يَميل إليه شيخُنا –رحمه الله- وكان يقول ما معناه: إنه لا ينبغي أن تُؤخذَ المسألةُ على عمومِها, بل يَنبغى أن تُقَيَّدَ بما إذا كان إتيانُ ذلك مختلفاً قي الوقت, فيُقَدِّرُ بذهنه أيهما أكثر فيعمل عليه, وأما إن كان وقتُ إتيانِه منضبطاً لعَمِلَ عليه, فإن كان أولَ الوقتِ أَخَّرَها, وإن كان آخرَ الوقتِ قَدَّمَها, وهو كلام حست فتأمله.