للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذه المسألةُ على وجهين: أحدُهما: أنْ يَجري الماءُ بذلك المغيِّرِ الحالٍّ- مع بقاءِ بعضِه في محلِّ الوقوعِ- إلى محل الاستعمالِ، ففي هذا الوجهِ يُنظر إلى مجموع ما بين محلِّ [٣/ب] الوقوع والاستعمالِ، فقد يكون يسيراً، وقد يكون كثيراً، والحالُّ أيضاً إما أن يكون نجساً أو طاهراً، أَجْرِهِ على ما تقدم، ولا تَعتبر هنا المجموعَ مِن محلِّ النجاسةِ إلى آخِرِ الجِزْيَةِ.

والوجه الثاني: أَنْ يَنْحَلَّ المُغَيِّرُ، وفي هذا الوجهِ يُنظر إلى مجموعِ ما بين محلِّ الوقوعِ ومحلِّ تأثيرِ ذلك التغييرِ، فلو كان مجموعُ الجريةِ كثيراً، ومِن محل الوقوعِ إلى محل الاستعمال يسيراً- جاز الاستعمالُ، لكونِ المغَيِّرِ قد ذَهب في جميعِ ذلك، ولا كذلكَ الوجهُ الأولُ. ابنُ هارون: واعتُرض على المصنف بأنَّ اشتراطَ عدمِ الانفكاكِ لا معنى له إذا كان المجموعُ كثيراً؛ لأنه مع الكثرة لا يُجتنب إلى المتغيرُ دون غيرِه، انقطعتْ جِريتُه أو اتصلتْ، وأُجيب بأنه تأكيدٌ لقوله: إذا كان المجموع كثيراً. انتهى.

وهذا ما ظَهر لي مِن البحث في كلامه، ولم أَرها منصوصةً للمتقدِّمين هكذا؛ نَعَمْ قال أبو عمر بنُ عبد البرِّ في كافِيهِ: إنّ الماءَ الجاريَ إذا وقعتْ فيه نجاسةٌ جَرَى بها فما بعدَها منه طاهرٌ. وأشار عياضٌ في الإكمالِ لَمَّا تكلم على قولِه عليه الصلاة والسلام: "لا يَبُولَنَّ أحدُكم في الماءِ الدائمِ" إلى أنَّ الجاري كالكثير، والله أعلم.

الثَّالِثُ: مَا خُولِطَ فَتَغَيَّرَ لَوْنُهُ أَوْ طَعْمُهُ أَوْ رِيحُهُ فَحُكْمُهُ كَمُغَيِّرِهِ، وَلَمْ يَعْتَبِرِ ابْنُ الْمَاجِشُونِ الرِّيحَ، وَلَعَلَّهُ قَصَدَ التَّغْيِيرَ بِالْمُجَاوَرَةِ، وَفِي التَّطْهِيرِ بِالْمَاءِ بَعْدَ جَعْلِهِ فِي الْفَمِ قَوْلانِ ...

تصورُه ظاهرٌ، ومعنى حُكمه كمغيِّره، أي: إِن كان المغيِّر نجساً كان الماء نجساً، وإن كان المغيرُ طاهراً كان الماء طاهراً غيرَ مطهِّرٍ، وانظرْ إذا خالطَه مشكوكٌ فيه. وروى بعضُهم أنَّ سببَ الخلافِ بينَ ابنِ الماجشونِ والمذهبِ الخلافُ في زيادةِ العَدْلِ؛ لأنَّ (الرِّيحَ) لم يَقَعْ في كلِّ الطُّرُقِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>