واعتُرض على قولِ مَن قال: ولعلَّه قصدَ التغييرَ بالمجاورة. لأنه لا يَصِحُّ لقيامِ الدليل على امتناعِ انتقالِ الأَعْرَاضِ، فلا بُدَّ مِن انتقالِ أجزاءٍ يَقع تغيرُ الريحِ بها.
وأُجيب بأَنَّا لا نعني بتغيير المجاورَة إلا أنا لا نُشاهد الحالَّ الذي وقعَ التغييرُ بسببه.
قيل: ووقع كلامُ ابن الماجشون في مختصر الثَّمانِيَةِ صَريحاً فيه أَنه لا يَعتبر الريحَ، بما لا يَقبل هذا التأويل.
والقولان في الماءِ بعد جعلِه في الفم راجعان إلى خلافٍ في حال: هل يمكن أن ينفك عنه الماء بصفته أم لا؟ والجوازُ رواه موسى بن معاوية عن ابن القاسم، والمنعُ رواه أشهب في العتبية، واتفقا على أنه لو تَحقق التغييرُ لأَثَّرَ.
يعني: أنه اختُلف إذا زال تغيرُ النجاسة بنفسِه على قولين، فمَن رأى أن الحكمَ بالنجاسة إنما هو لأجل التغيير وقد زال، والحكمُ يدور مع علته وجوداً وعدماً- حَكَمَ بالطهوريةِ، ومَن رأى أنَّ الأصلَ أن النجاسةَ لا تزولُ إلا بالماء، وليس هو حاصلاً- حَكَم ببقاءِ النجاسةِ، وصَوَّب هذا الثاني ابنُ يونس.
ابن راشد: وسمعت بعضَ الفقهاء يقول: الخلافُ إنما هو في الماء الكثير، وأما اليسيرُ فهو باقٍ على التنجيس بلا خلافٍ. قال شيخُنا- يعني ابن دقيق العيد-: والخلافُ أيضاً في البولِ نفسِه إذا زالتْ رائحتُه. ويُؤيد ما قاله الخلافُ في بول المريض الذي لا يَستقر الماءُ في معدتِه، ويَبُوله في صِفَتِه. انتهى.
فإنْ زال تغيرُ النجاسة بكثرة المطلَقِ كان طَهوراً اتفاقاً، وإليه أشار بقوله:(بِخِلافِ الْبِئْرِ تَزُولُ بِالنَّزْحِ) أي: فلا خلافَ في طَهوريته.