سحنون: وينجس بولُ الماشية الشاربةِ. فلذلك حَمل أبو الحسن ما في المدونة على أن الماءَ تَغير، واستدل لذلك بكلام سحنون، وفي كلام ابن عبد السلام هنا نظرٌ.
وقوله:(الرَّاكِدُ) يشملُ كل ما له مادةٌ، وما لا مادةَ له.
وقوله:(كَالْبِئْرِ) يُخَصِّصُ ما له مادةٌ. وذكر ابنُ شاسٍ في الماء إذا تغير- ولا مادة له- وذهب التغيرُ بنزحِ [٤/أ] بعضِه: أَنَّ في طهوريةِ الباقي قولين.
وقوله:(بخِلافِ مَا َلْو وَقَعَ مَيِّتاً) أي: فإنْ تغير وَجَبَ نزحُه، وإن لم يتغير لم يجب ولم يُستحب، لِفَقْدِ العلةِ التي ذُكرت للاستحباب إذا مات في الماء، والمخالفةُ إنما هي في عدمِ التغير، وأما مع التغير فالحكمُ متساوٍ، وهو وجوبُ النزح، وفي المذهب قولٌ أنَّ ما وقع ميتاً بمنزلةِ ما مات فيه.
يريد بقوله:(مِمَّا لَيْسَ مِنْ حَيَوَانٍ) ما قال ابن شاس وغيره، ويعني بالجمادات ما ليس بذي روحٍ، ولا منفصلٍ عن ذي رُوحٍ، وإنما أخرجنا المنفصلَ عن الحيوانِ لأنَّ منه ما هو نجسٌ، كما سيأتي.
وقوله:(إِلا الْمُسْكِرَ) أي: فإنه نجسٌ، وسواء كان من العِنَبِ أو من غيرِه، وهذا هو المشهورُ خلافاً لابنِ لُبابَةَ وابنِ الحَدَّادِ فإنهما قالا بطهارةِ الخَمْرِ، والأوّلُ أظهرُ، لقوله تعالى:{إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان}[المائدة: ٩٠]. والرجسُ النجسُ، ولأن القول بطهارتِها يَستلزم جوازَ استعمالِها. وقصدُ الشَّرْعِ الإبعادُ عنها بالكُلِّيَّةِ.
فائدة:
تنفع الفقيهَ يَعرف بها الفرق بين المسكر والمفسد والمرَقِّدِ، فالمسكرُ ما غيّب العقلَ دون الحواسِّ مع نشوة وفرح، والمفسدُ ما غيّب العقل دون الحواس لا مع نشوة وفرح كعسل البلادر، والمرقد: ما غيب العقل والحواس كالسَّيْكَرانِ.