وينبني على الإسكارِ ثلاثة أحكام دون الآخرين: الحدُّ والنجاسةُ، وتحريمُ القليل. فإذا تقرر ذلك فللمتأخرين في الحشيشة قولان: هل هي من المسكرات، أو من المفسدات المرقدات؟ مع اتفاقهم على المنع مِن أكلها. واختار القرافي أنها من المفسدات المرقدات، وقال: لأني لم أَرَهُم يميلون إلى القتال والنصرة، بل عليهم الذلة والمسكنة، وربما عَرَضَ لهم البكاءُ. وكان شيخنا- رحمه الله تعالى- الشهير بأبي عبد الله المَنُوفي يختار أنها من المسكرات، قال: لأنا رأينا مَن يتعاطاها يبيع أموالَه لأجلِها، فلولا أن لهم فيه طرباً ما فَعَلوه، بدليل أنا لا نجد أحداً يبيع داره ليأكل بها سيكراناً، وهو واضح.
المشهور أن جميعَ الحيوانات طاهرةٌ حتى الكلبُ والخنزيرُ خلافاً لسحنون وابن الماجشون، ثم اختُلف على قولهما هل المرادُ حقيقة الكلام؟ ويكون المراد عينُهما، أي ذاتُهما نجسةٌ كمذهب الشافعيِّ، أو مرادُهما المجازُ، وأطلق النجاسة عليهما والمراد سؤرهما، والأولُ أظهرُ؛ لأن الأصلَ في الكلام الحقيقةُ، وأيضاً فلا تجدهم يطلقون هذا اللفظِ على غيرهما مما يُشاركهما في نجاسة السؤرِ، وأطلق في الكلب ولم يقيده، وكذلك نقل في الإكمال فقال لما تكلم في الولوغ: وخالفَ الشافعيُّ في نجاسة الكلب، وحُكي هذا عن سحنون وعبد الملك. ونقل اللخمي عن سحنون التفرقةَ، وأنه قال: كلُّ كلب لم يُؤْذَنْ في اتخاذه نجسٌ، وكلُّ كلب أذن في اتخاذه فهو طاهرٌ.
وحصل في المقدمات في سؤر الكلب أربعةُ أقوال:
الأول: الطهارة، وهو مذهب ابن القاسم، وروايته عن مالك في المدونة. والثاني: النجاسة. الثالثُ: الفرقُ بين الكلب المأذون في اتخاذه وغيرِ المأذون في اتخاذه. الرابع: