على الجنبِ والمحدِثِ. ورُدَّ بأن الغُسْلَ إذا أطلقَ في الاصطلاح إنما يُراد به الطهارةُ الكبرى لا الصغرى. والذي يَظهر أن معناه. – على كلٍّ مِن القولين– فيَجِبُ الغُسْلُ لما يُستقبل؛ لأنه وإِنْ رَفَعَ فإِلى غايَةٍ.
وهكذا كان شيخُنا رحمه الله يقول: ودليلُ الْمَشْهُورِ قوله تعالى: {ولا جُنُبًا إلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ}[المائدة:٦] على تأويلِ عليٍّ رضي الله عنه وقد تقدم، ولقوله صلى الله عليه وسلم لعمرو بن العاص لما بَعَثَه إلى غزوةِ ذاتِ السلاسلِ، واحتَلَمَ في ليلةٍ باردةٍ، وأَشْفَقَ إن اغْتَسَلَ هَلَكَ، فتيممَ وصَلَّى بأصحابهِ، فذكر ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال:"أَصَلَّيْتَ بالناسِ وأنتَ جُنُبٌ". فقال عمرو: سمعت الله عز وجل يقول: {ولا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إلَى التَّهْلُكَةِ}[البقرة: ١٩٥]، فضحك صلى الله عليه وسلم. رواه أبو داود والدارقطني وابن وهب في المدونة.
قال القرافي: ومعنى قولهم: إن التيمم لا يرفع الحدث. أنه لا يَرفعه مطلقاً، وإنما يرفعُه إلى غايةِ وجودِ الماءِ. قال: وهذه المقالةُ أشدُّ مِن المقالةِ بأنه لا يَرْفَعُ الحدثَ ألبَتَّةَ، إِذْ يَلْزَمُ عليه اجتماعُ النقيضَيْنِ؛ إِذْ الحدثُ هو المانعُ، والإباحةُ متحققةٌ بإجماعٍ، وعلى هذا فلا يبقَى في المسألةِ خلافٌ. ولذلك قال المازري: لعل الخلافَ في اللفظِ.
ابن رشد: ويُمكن أن يُقال: الجنابةُ سببٌ يترتب عليه سببان: أحدُهما المنعُ من الصلاةِ، والآخرُ وجوبُ الغسلِ بالماءِ، فأقام الشرعُ التيممَ سبباً لرفعِ المنعِ مِن الصلاةِ، ولم يُقِمْه سبباً لرفعِ وجوبِ الغسلِ، فإذا وُجِدَ الماءُ أُمِرَ بإيقاعِ السببِ الثاني وهو وجوبُ الغسلِ، فلا منافاةَ بين قولِنا: التيممُ لا يَرْفَعُ الحَدَثَ، وأنه يُؤمر بالغُسل لما يَستقبل. وهو لَعَمْرِي مُرَادُ الأشياخِ بقولِهم: التيممُ لا يَرْفَعُ الحَدَثَ. أي لا يَرفعُ موجباتِ الحدثِ كلَّها، وإنما وَقَعَ إشكالٌ من قصورِ الفهمِ عنهم فتأمَلْه، وهو بحثٌ حسنٌ جدّاً. انتهى.
خليلٌ: وعليه أيضاً فلا يكون في المسألةِ خلافٌ، والأَوْلَى هنا ما ذَكَرَه ابنُ دقيق العيد، فإنه قال بعد أن قَرَّرَ أن الحَدَثَ يُطلق على ثلاثةِ معانٍ: