جهده في تعيين جهة يغلب على ظنه أن الكعبة وراءها، وإذا غلب على ظنه بعد بذل الجهد بالأدلة الدالة على الكعبة أنها وراء الجهة التي عينها وجب استقبالها، فصارت الجهة مجمعاً عليها، والسمت الذي هو العين مجمع على عدم التكليف به، فأين محل الخلاف على هذا؟ وكان يجيب عنه فيقول: الشيء قد يجب إيجاب الوسائل وقد يجب إيجاب المقاصد، والأول كالنظر في المياه، فإنه يتوصل به إلى معرفة الطهورية، وكالسعي إلى الجمعة، والضوء للصلاة، والثاني كالأولين والصلوات الخمس، وصوم رمضان، والحج، والعمرة. وإذا تقررت هذه القاعدة فاختلف الناس في الجهة، هل هي واجبة وجوب الوسائل؟ وأن النظر فيها إنما هو لتحصيل عين الكعبة، وهو مذهب الشافعي، فإذا أخطأ في الجهة وجبت الإعادة؛ لأن القاعدة أيضاً أن الوسيلة إذا لم يحصل مقصدها، يسقط اعتبارها، أو النظر في الجهة واجب وجوب المقاصد، وأن الكعبة لما بعدت عن الأبصار، جعل الشرع الاجتهاد في الجهة هو الواجب، وهو المقصود دون عين الكعبة، فإذا اجتهد ثم أخطأ لا يجب عليه إعادة، وهو مذهب مالك، وعلى هذا فقول العلماء هو الواجب الجهة أو السمت؟ يتضمن قيداً لطيفاً، أي: هل الواجب وجوب المقاصد السمت أو الجهة؟ قولان، وإنما أطلت في هذا المحل؛ لأنه يشكل على كثير من الناس.