وحكى اللخمي أربعة [٥٧٠/ب] أقوال، منع ذلك في كتاب اللقطة، وكرهه في العتبية، ثم أجازه إذا أشهد على تسلفها، وقال عبد الملك: إن كانت مربوطة أو مختومة لم يجز، وإن كانت بغير رباط ولا ختم جاز.
والكراهة نص عليها في المدونة في كتاب الوديعة.
والأصل المنع؛ لأنه تصرف في ملك الغير، وهو غير جائز إلا بعد العلم بطيب نفس مالكه. وهو غير محقق. وإن كان الشيء المودع عرضاً لم يجز تسلفه اتفاقاً؛ إذ لو جاز ذلك لكان مشترياً له بغير إذن مالكه.
قوله:(وَإِنْ كَانَت مِمَّا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ ... إلخ) يحتمل أن يريد بقوله: (كَالنَّقْدِ) أي: فيأتي القولان بالجواز والكراهة، وبقوله:(كَالْعَرْضِ) أي: فلا يجوز. وعلى هذا يكون اختلاف طريقة، ولكن هذا يعز وجوده وإنما يريد (كَالنَّقْدِ) فيجوز، و (كَالْعَرْضِ) فلا يجوز. على أن الجواز ليس بمنصوص، وإنما خرجه اللخمي، ويتبين ذلك من كلامه، قال: وأما القمح والشعير والزيت وشبهه قول ابن القاسم في المدونة أنه إن تسلفها مضت على وجه السلف؛ لأنه أجاز إذا تسلفها أن يخرج المثل من ذمته كالدرهم، فلو كانت مما تختلف فيه الأغراض كالعروض - لم يصح إخراج المثل ولم يجز السلف، وعلى قول ابن عبد الحكم: إنه يضمن بالخلط بالمثل لا يجوز تسلفها. وقال محمد: فيمن استودع حنطة فباعها لنفسه كان لصاحبها أن يأخذ الثمن إن شاء فلم يجز السلف. وهو أحسن. انتهى.
وقد يقال أنه لا يؤخذ من المدونة الجواز ولا الكراهة؛ لأنه إنما قال: إذا تسلفها ثم ردها عادت إلى حكم الوديعة. ولا يلزم من عودها إلى حكم الوديعة جواز الإقدام على تسلفها ولا الكراهة؛ لاحتمال أن يقال هو ممنوع ابتداء؛ لأنه تصرف في ملك الغير، والغالب كراهته لذلك، وإنما رجعت بالرد إلى الوديعة؛ لأن ربها إنما يكره التصرف ابتداءً لا الرد، هكذا أشار ابن عبد السلام.