يعني: أن أركانها أربعة: المعير والمستعير والمستعار وما به الاستعارة.
وتكلم المصنف على الأول منها فالأول، وشرط في المعير شرطين: أن يكون مالكاً للمنفعة، وأن يكون غير محجور عليه، أما الأول فظاهر، وأما الثاني فلأنها تبرع، وصحت من المستعير والمستأجر؛ لأنهما مالكان للمنفعة، ونبه بالمستعير على أن الصحيح عند الشافعية: أنه لا يعير، ومنشأ الخلاف: هي المستعير مالك للمنفعة كالمستأجر أو لا؟ وإنما ملك الانتفاع، ويتخرج عندنا الخلاف في جواز إعارة الثوب المستعار من الخلاف في إجارته لمن استأجره، وكذلك فيمن اكترى دابة ليركبها فإن قول مالك اختلف في كراهة كرائها من غيره، وكذلك اختلف هنا، ففي الجلاب: ومن استعار شيئاً إلى مدة فلا بأس أن يكريه من مثله، وفي المدونة: لا بأس أيضاً أن يعيرَه من مثله.
وفي كتاب ابن شعبان: من استعار دابة ليركبها، فلا يُركبها غيره، وظاهره بعارية أو كراء.
وعلم أن تمليك الانتفاع كسُكنَى المدارسِ والجلوس في المساجد والأسواق، له أن ينتفع بنفسه فقط، ولا يعاوض عنه، وتمليك المنفعة كالإجارة، والعارية عندنا له الانتفاع والإيجار كالملك بالنكاح من ملك الانتفاع، ويستثنى من هذا جواز إنزال الضيف لأهل المدارس والرباط المدة اليسيرة للعادة، ولا يجوز استيطانه ببيت المدرسة دائماً ولا إيجاره، ولا خزن القمح فيه، وكذلك ماء الصهاريج بها، لا يجوز بيعه ولا هبته ولا الانتفاع به فيما لم تجر العادة كالصبغ الكثير، ويستثنى الشيء اليسير من ذلك، وكذلك طعام الضيف لا يجوز له بيعه ولا إطعامه، وله إطعام الهر للعادة، وكذلك البسط في الأوقاف لا يتغطى بها، والزيت للاستصباح لا يباع؛ لأن التمليك فيها مقصور على جهة العادة بشهادة العوائد، ذكر ذلك القرافي في قواعده.