يعني: أنه يشترط في المستعير أن يكون أهلاً لأن يتبرع عليه بالمستعار، فلخصوصيته بذلك لا يعار ذمي مسلماً لما في ذلك من إذلال الكافر المسلم، وهو ممنوع، وكذلك المصحف له، وكذلك لا يعار السلاح لمن يقاتل به فيما لا يحل، ولا الأواني لمن يستعملها فيما لا يحل كالخمر، ولا الدابة لمن يركبها لإذاية مسلم ونحو ذلك.
وقوله:(مَعَ بَقَاءِ الْعَيْنِ) أي على ملك ربها، وإن استلزم الانتفاع ذهاب العين كما في الأطعمة والنقود، لم يبق ذلك عارية بل هو قرض، وأشار اللخمي إلى أنه تصح إعارة الدراهم والدنانير لمن لا يتلف أعيانها كالصيرفي يجعلها ظاهرة عنده ليراها الناس فيرغبون في الصرف منه، وكذلك الرجل عليه دين يقل ما بيده فيستعيرها لذلك.
خليل: وينبغي أن يمنع هذا لوجهين: أولهما القياس على إجارتها، فقد قال المصنف:(ولا تصح إجارة الدنانير والدراهم، وقيل: إن لازمها ربها صح)، والثاني أن في ذلك إيهاماً للناس وتغريراً لهم، والله اعلم.
وهو معطوفٌ على (بَقَاءِ الْعَيْنِ) أي المستعار منفعةٌ بشرط بقَاء الْعينِ، (وَأَنْ تَكُونَ الْمَنْفَعَةُ مُبَاحَةً) ولا يريد كونها مباحة في جنسها؛ فإن ذلك شرط في صحة ملك المعير لها، وإنما يريد كون تلك المنفعة مباحة للمستعير، فلذلك لا تستعار الجارية للاستمتاع، ودخل في ذلك الوطء ومقدماته، لما في ذلك من عاريَّة الفروج؛ [٥٧٣/أ] ولأنه لا يستباح ذلك إلا في ملك أو نكاح، وخالف عطاء بن أبي رباح في هذا وأجازه، وقد بالغ أهل مذهبنا في هذا حتى منعوا قرض الجواري المؤدي إلى عارية الفروج.