ابن عبد السلام: ولابد أن يكون من أهل العدالة، وأجرة من يستوفي القصاص على المستحق، هذا هو المشهور، والثاني ذكره ابن شعبان، ومنشأ الخلاف هل الواجب على الجاني التمكين من نفسه أو التسليم، والأول هو اختيار ابن رشد وابن شعبان وغيرهما.
أطلق في القصاص ليعم النفس والطرف، تنبيهاً منه- رحمه الله- على تفصيل أبي حنيفة بين الطرف فيقتص منه في الحرم، وبين النفس فلا يقتص منه في الحرم، ولكن يلجأ إلى الخروج بألا يبايع ولا يكلم، فإذا خرج قتل، لا يعممه إذا قتل وهو في الحرم. قال في العتبية: والحرم أحق أن يقام فيه حدود الله ولا ينتظر أن يفرغ من حجه، والقياس على الطرف أو من قتل في الحرم، واستدل أبو حنيفة بقوله تعالى:(وَمَن دَخَلَهُ كَانَءَامِناً)[آل عمران: ٩٧] ولكل من الفريقين أدلة أكثر من هذا. وقوله:(وَلَكِنْ يَخْرُجُ مِنَ الْمَسْجِدِ) إن جعلنا (أل) في المسجد للجنس فظاهر، لكن الظاهر بقرينة ذكر الحرم أنهما أرادا المسجد الحرام، لكن لا يفهم كلامه على الخصوصية بل لمساواة سائر المساجد له في منع إقامة الحدود فيها.
قوله:(مَا سِوَى النَّفْسِ)(ما) عامة فتعم سائر الجراح؛ لما رواه الدارقطني من حديث محمد بن خالد عن ابن جريج عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقتص من الجراح حتى ينتهي. ومحمد بن خالد وثقه ابن معين وضعفه أبو داود وغيره.
وروى يحيى بن أبي أنيسة ويزيد بن عياض عن أبي الزبير عن جابر قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"يُسْتَاتَى بالجراحِ سنةٌ". لكن يحيى ويزيد متروكان.