وأما الثانية: فهي اختلافهما في الجنس. كما لو قال أحدهما بثياب، وقال الآخر بخلافها، فلم أر قول ابن القاسم وأشهب فيها كما يوهم كلام المصنف، ولهذا أجرى اللخمي على قول ابن القاسم: أن الكتابة فوت ويتحالفان ويكون على كتابة مثله من العين، فإن حلف أحدهما ونكل الآخر؛ فالقول قول الحالف، وإن قال أحدهما عيناً والآخر عرضاً؛ فالقول لمدعي العين، إلا أن يأتي بما لا يشبه. وسكت عن قول أشهب فيه.
وقال المازري: إذا اختلفا في الجنس؛ جرى على اختلاف المتبايعين في الجنس يتحالفان ويتفاسخان، ولا خلاف منصوص في البيع فيهما. وتذاكرت مع ابن عبد الصمد بسفاقص في هذه المسألة، فقال لي: فيها قول آخر؛ أن القول للبائع فاستغربته، فقال لي: هو منصصو لمالك في كتاب أبي إسحاق، فأخرج لي الكتاب فوجدته فيه.
وأما الثالثة: وهي اختلافهما في الأجل. فكلامه محتمل لأن يكون اختلافهام في وجوده وعدمه، أو في قدره، أو في حلوله. فأما الأول، فقال اللخمي: القول قول المكاتب أنها منجمة ما لم يأت من كثرة النجوم ما لا يشبه. قيل: المذهب كله عليه. وأخرج بعضهم فيها خلافاً من اختلاف قول مالك: إذا باع من رجل سلعة، فقال المشتري: بعتها مني إلى أجل، وقال هو: بل نقداً. ورده المازري: بأن العادة في الكتابة لا تكون إلا على التنجيم بخلاف البيع وافترقا، وأما الاختلاف في قدره. وفي المدونة: إن قال المكاتب منجمة على عشرة أنجم، وقال السيد على خمسة؛ صدق المكاتب مع يمينه، وإن أتى ببينة قضى بأعدلهما، وإن تكافآ صدق المكاتب وكان كمن لا بينة له. قال غيره: يقضي ببينة السيد لأنها زادت، ونقل ابن يونس عن أِهب مثل قول ابن القاسم، وبه لا يتم أن يريد المصنف هذا الوجه؛ لأن أشهب لا يقول قول السيد، وإنما اختلافهما بحلول الأجل، ففي المدونة: القول قول المكاتب، قال: كمن أكرى داره سنة أو باع سلعة بدينار إلى سنة وادعى حلولها؛ فالمكتري أو المبتاع مصدق، ولم ينقلوا هنا قول أشهب، وبالجملة في كلام المصنف نظر، والله أعلم.