(والْمُعْتَبَرُ طَرَفُ الْبَلَدِ) أي: إذا قلنا بالتحديد بثلاثة فهل يعتبر مبدأها من طرف البلد أو المنار؟ ومقتضى كلامه أن الأول هو المذهب، وإنما هو منقول عن ابن عبد الحكم. والثاني هو الذي قاله عبد الوهاب وغيره، وهو مقتضى قول مالك في المجموعة لقوله: عزيمة الجمعة على من كان بموضع يسمع منه النداء، وذلك ثلاثة أميال. وعلى هذا فهمه اللخمي وغيره، وصدر به صاحب العمدة، ثم عطف الأول في كلام المصنف عليه، فقيل: وهو الظاهر؛ لأن التحديد للثلاث بالسماع، والسماع إنما هو من المنار. وقوله:(طَرَفُ الْبَلَدِ) أي: من المكان الذي تقصر منه الصلاة. هكذا نقل اللخمي، والمازري، وصاحب البيان هذا القول وهو الصواب، لا ما قاله ابن بشير. اختلف هل يعتبر هذا المقدار من المنار أو سور البلد. وهذا الخلاف إنما هو في حق الخارج عن البلد، وأما من فيها فيجب عليه ولو كان من المسجد على ستة أميال. رواه علي بن مالك، قال في المقدمات: وهو تفسير للمذهب. وهل الثلاثة تحديد؛ فلا تجب على من زاد عليها الشيء اليسير؟ أو تقريب؟ وهو مذهب المدونة فتجب قولان. واعلم أن لمن وجبت عليه الجمعة حالتين: إما أن يكون قريباً، وإما أن يكون بعيداً. فالبعيد يجب عليه السعي قبل النداء بمقدار ما يدرك، وهو متفق عليه. وأما القريب فقال الباجي وصاحب المقدمات: اختلف متى يتعين إقباله إليها؟ فقيل: إذا زالت الشمس. وقيل: إذا أذن المؤذن. ولا اختلاف في هذا إنما هو على اختلافهم في وجوب شهود الخطبة. فمن أوجب شهودها على الأعيان أوجب على الرجل الإتيان من أول الزمان ليدركها، ومن لم يوجب شهودها على الأعيان لم يوجب على الرجل الإتيان إلا بالأذان؛ لأنه معلوم أنه إذا لم يأت حتى أذن المؤذن أنه تفوته الخطبة أو بعضها. وكذلك أيضاً يختلف في البعيد، هل يجب عليه السعي ليدرك الصلاة أو الخطبة على هذا الاختلاف. الباجي: ورأيت للشيخ أبي إسحاق نحوه.