يعني: إذا خالط الماءَ أجنبيٌّ يُوافقُ أوصافَه الثلاثةَ ولم يُغيره، فهل يُقَدَّرُ مخالفاً أو لا؟ وفيه نظرٌ. والنظرُ في وجودِ التغيرِ وعَدَمِه، وَجْهُ النظرِ تَعَارُضُ مُدْرَكَيْنِ قويين سيأتيان، وعلى هذا فلا نَصَّ في المسألةِ، ولذلك قال ابنُ عطاء الله: إنه لم يَقِفْ في هذه المسألةِ على شَيْءٍ. قال: والذي أَراه أَنه إِن وَجَدَ غيرَه- لم يَسْتَعْمِلْه، وإن لم يَجِدْ غيرَه- تَوَضَّأَ به وتَيَمَّمَ.
ابنُ راشد: ومِن ابنِ عطاء الله أَخَذَ المصنفُ، وعلى هذا مَشَّاهُ ابنُ هارونَ وابنُ عبد السلام.
وقد تَرَدَّدَ سندٌ فيمن وَجَدَ مِن الماءِ دونَ ما يَكفيه، وخَلَطَه بماءِ الزَّرْجُونِ أو غيرِه مما لا يُغَيِّرُهُ، هل يَتطهر به لأنه ماءٌ لم يَتغير، أو لا؟ لأنه تَطَهَّرَ بغيرِ الماءِ جَزْماً. قال: والظاهرُ أنه لا يُتطهر به. ثم نَقَلَ عن بعضِ الشافعيةِ التفرقةَ بينَ ذلك وبينَ مَن معه مِن الماءِ ما يَكفيه، وخَلَطَ به قَدْرَه مِن المائِعِ، فقال بالإجْزَاءِ في هذه دُونَ الأُولَى، ثم إذا فُرض أنه مخالفٌ- فيُنظر في الواقعِ إما أن يكون طاهراً أو نجساً، وإما أن يكون الماءُ قليلاً أو كثيراً- أَجْرِهِ على ما تقدم.
فإن قيل: لِمَ لا حَمَلْتَ كلامَه على أن النظرَ في كيفيةِ التقديرِ؟ إذ لا يُدرَى بأي نوع يُلحقه من المخالفات، أو على أن استَشكل قولَ مَن جَزَمَ بوقوعِ التقديرِ في المذهبِ؟.
فجوابُه: أنه منعني مِن الحَمْلِ عليهما كوني لم أَرَ نقلاً يُوافِقُهما، والله أعلم.
ابنُ عبد السلام: ويكون ذلك في صورتين: إحداهما: أَنْ يُخالطَه موافقٌ لصفةِ الماءِ كماءِ الريحانِ المقطوعِ الرائحةِ. والثاني: أن يكون متغيراً بما لا يَنْفَكُّ عنه غالباً، فيُخالِطُه مائعٌ موافقٌ لِصِفَتِه.