واستحب مالك في كتاب ابن مزين البداية بالصوم ثم بالعتق، واستحب المغيرة البداية بالعتق، وقال ابن حبيب: العتق أحب إلي فإن لم يجد فالصيام، فإن لم يستطع فالإطعام هكذا نقل اللخمي، ونقل عياض عنه أنها عنده على الترتيب.
ونقل الباجي عن المتأخرين من الأصحاب أنهم يراعون في الفضل الأوقات والبلاد؛ فإن كانت أوقات شدة فالإطعام أفضل، وإن كانت أوقات خصب ورخاء فالعتق أفضل.
وقد أفتى الفقيه أبو إبراهيم من استفتاه في ذلك من أهل الغنى الواسع بالصيام لما علم من حاله أنه أشق عليه من العتق والإطعام، وأنه أردع له عن انتهاك حرمة رمضان. وتبع المصنف في القول الأول ابن بشير، وليس بجيد. والقول بأنها تتنوع لأبي مصعب، وهو ضعيف؛ لأن الحديث الذي هو أصل هذه الكفارات إنما كان في الجماع ووقع التكفير فيه بالإطعام.
وقوله:(كَإِطْعَامِ الظِّهَارِ) كجنس ما يطعم في الظهار، ويحتمل أن يريد بالتشبيه أنه لا يجزئ أقل من المد، وقد نصَّ صاحب اللباب عليه، وذكر أنه قول مالك والشافعي، وليس التشبيه في القدر، فإن هذه بمد النبي صلى الله عليه وسلم، وتلك بمد هشام على المشهور.
واحتج من قال بالترتيب بما رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، هلكت؛ فقال: ما لك؟ قال: واقعت أهلي وأنا صائم، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:"هل تجد إطعام ستين مسكيناً؟ " قال: لا، قال: فأتى النبي صلى الله عليه وسلم بعَرَق من تمر فقال: "تصدق به" الحديث.