وأما الوجه الثاني وهو أن ينذر أياماً بغير أعيانها فيقضي ما مرض منها أو أفطر ساهياً يصل ذلك باعتكافه. ولا خلاف في هذا، وإن أفطر فيه متعمداً أفسده ووجب عليه قضاؤه لوجوبه عليه بالدخول فيه، انتهى باختصار.
وإن كان الاعتكاف تطوعاً فإن أفطر فيه بمرض أو حيض فلا قضاء عليه، وإن أفطر ناسياً قال عبد الملك: عليه القضاء. وهذا ظاهر المدونة؛ لقوله: من أكل يوماً من اعتكافه ناسياً يقضي يوماً مكانه، فعمم. وكذلك قال بعضهم: إن مذهب المدونة القضاء مطلقاً، وحمل بعضهم المدونة على النذر المعين وأما التطوع فلا يقضي فيه بالنسيان. وهو قول عبد الملك أيضاً وابن حبيب وهو أصح. وانظر: ما الفرق على الأول بين الاعتكاف والصوم؟
تنبيه:
قال ابن رشد على ما تأول عليه ابن عبدوس إشارة إلى مسألة المدونة التي قال فيها: فيمن نذر اعتكاف شعبان فمرضه فلا شيء عليه، وإن نذرته امرأة فحاضت فيه، فإنها تصل القضاء بما اعتكفته قبل ذلك، ففرق بينهما ابن عبدوس بما ذكره عنه. واختاره ابن أبي زمنين وقال بعضهم: إنما قال في الحائض تقضي بناء على قوله في ناذر ذي الحجة أنه يلزمه قضاء أيام الذبح وكذلك ظاهر قول سحنون، وحمل المسالة على الخلاف لقوله بعد ذلك: وهذه مختلطة والله أعلم.
وَلا يُسْقِطُهُ الاشْتِرَاطُ
الضمير عائد على القضاء أي إذا اشترط المعتكف أولاً [١٦٨/ب] أنه إن حدثت له ضرورة توجب القضاء فلا قضاء، لمي فده ذلك. قال في الموطأ: وإنما الاعتكاف عمل من الأعمال مثل الصلاة والصيام والحج فمن دخل في شيء من ذلك فإنما يعمل بما مضى من السنّة وليس له أن يحدث في ذلك غير ما مضى عليه المسلمون.