وفَرَّقَ بعضُ المخالِفين لنا في المذهب بينَ أَنْ يَنْوِي الحدثَ الأولَ فيجزئُه، وبين أن يَنوي غيرَه فلا يُجزئه، إذِ المؤثرُ في نقضِ الطهارةِ إنما هو الأَوَّلُ، ولو نوى حدثاً غيرَ الذي صَدَرَ منه غَلَطاً فنَصَّ بعضُ المخالفين المتأخرين على الإجزاءِ، وهو أيضاً صحيحٌ على المذهب. قال ابن عبد السلام.
قوله:(الْجُنُبِ تَحِيضُ وَالْحَائِضِ تُجْنِب) أي: لا فرق بين أن تتقدم الجنابةُ على الحيض أو تتأخرَ، ففُهِم منه أنه يُوافق مَن ذهب إلى هذه الطريقةِ، لا ما ذهب إليه أبو بكر ابن عبد الرحمن مِن أنه إذا تَقَدَّمَ الحيضُ لم تُجْزِئْها نيةُ الجنابة اتفاقاً. قال: لأن الجنابة إذا طرأتْ لم تؤثر شيئاً.
ثم لهذه المسألة ثلاث صور:
الأولى: إن نوتهما معاً فلا إشكال في الإجزاء، ولذلك لم يتعرض لها المصنف لوضوحِها.
الصورة الثانية: أن تنوي الجنابة ناسية للحيض، فهل يجزئها؟ وإليه ذهب أبو الفرج، وابن عبد الحكم، وابن يونس، وهو مذهب المدونة. ولا يجزئُها وإليه ذهب سحنون؛ لأن موانعَ الحيض أكثرُ فلا تندرج تحت الجنابة. ورأى في القول الأول أنهما متساويان في أكثر الأشياء، وإنما يختلفان في الأقلِّ، ومن القواعد جَعْلُ الأقلِّ تابعاً للأَكْثَرِ.
الصورة الثالثة: أن تنوي الحيضَ ناسيةً للجنابةِ. قال المصنفُ: فالمنصوصُ، أي المنقول عن ابن القاسم يُجزئ. ولم يَفْصِلْ بين تَقَدُّمِ الجنابةِ وتَأَخُّرِها.