ووجهُ إجرائِه على الأصلِ الأولِ أنك إذا قَدَّرْتَ أن الطهارةَ حاصلةٌ في أعضاء الوضوء وجبتْ إعادةُ النيةِ عند تجديدِ غسلِها لذهابِ طهارتِها، وإن قَدَّرْتَها غيرَ حاصلةٍ فالنيةُ باقيةٌ فلا يُحتاج إلى تجديدِ النيةِ لبقائِها ضِمْناً في نيةِ الطهارةِ الكبرى.
وأما إجراؤُها على الأصل الثاني فلأنَّ نيةَ الطهارةِ الكبرى منسحبةٌ حكماً، فإن قُدِّرَ الانسحابُ كالابتداءِ لم يُحْتَجْ إلى تجديدِ النية، وإِلاَّ احتيج.
واختار المصنفُ إجراءَ هذا الفرعِ على الأصلِ الثاني، ولم يفعل ذلك في المسألة التي قَبْلَها، لأن اعتبارَ الاستدامةِ لمسألةِ الخفِّ مخالِفٌ لظاهِرِ قوله صلى الله عليه وسلم:"دَعْهُمَا فَإِنِّي أَدْخَلتُهُمَا طَاهِرَتَيْنِ".
قوله:(وَظَاهِرُهَا لِلْقَابِسِيِّ) أي: ظاهرُ المدونة مع القابسي؛ لأنه إنما ذَكَرَ إمرارَ اليدينِ مِن غيرِ تَعَرُّض للنية، فلو كانت شرطاً لذَكَرَها، ولأن لفظَ التهذيب: (ومَن مَسَّ ذَكَرَهُ في غُسْلِه مِن جنابةٍ أعاد وضوءَه إذا فرغ مِن غُسْلِه، إِلا أن يُمِرَّ يَدَه على أعضاءِ الوضوء في غُسله فيُجزئه. فأطلَق على الأولِ إعادةً، وعلى الثاني إِمْرَاراً، وخالفَ بين اللفظين وذلك دليلٌ على اختلافِ الحقيقتين، وليس إلا اختلافُ النية، وفيه ضعف، إذ لا يَلْزَمُ مِن عَدَمِ ذِكْرِ شيءٍ عَدَمُ اشتراطِه.
فرع:
إذا قيل بقول القابسي، فغَسَلَ أعضاءَ الوضوءِ بعدَ الفراغِ مِن الطهارةِ الكبرى، فهل يَلْزَمُ تجديدُ النيةِ لانقطاعِ الطهارةِ الكبرى؟ أَوْ لا لأن الفَصْلَ يَسير؟ قولان للشيوخ المتأخرين، قاله المازري.
أي: إذا أَحْدَثَ أَحْدَاثاً فَنَوى منها حَدَثاً ناسياً غيرَه– أَجزأه؛ لتساويها في الحُكْمِ- وسيأتي ما إذا أخرج غيرَه– وأما لو كان ذاكراً للغيرِ ولم يخرجْه فظاهرُ النصوصِ الإجزاءُ. وسواءٌ كان الحدثَ الأولَ أَمْ لا.