إلا بحرف جر؛ فإما أن يكون لم يفطن لنصبه "صنيعه" بشكرت. وإما أن يكون توهم أنه لا يجوز أن يقال: شكرت صنيعه من غير أن يقال "له". وهذا قبيح من مثله جدا. وليس فعل متعد أو غير متعد بنفسه أو بحرف جر إلا وتعديته بعد تمام الكلام إلى مفعول آخر بحرف جر، أو إلى مفعولين جائز جيد، عند جميع النحويين واللغويين. وليس حرف الجر الذي يتعدى بمخصوص ولا معين. بل يجوز ذلك بجميع حروف الجر، التي تتعلق بمعنى الفعل، وتوجب معناها متصلا به، كقول: شكرت لزيد صنيعه بفلان في أمر كذا وكذا، ألا ترى أنك قد عديت هذا الفعل إلى فلان بالباء، وإلى أمر بفي، كما عديته إلى زيد باللام ولم تعده بنفسه، إلا إلى صنيع، فهكذا جميع الأفعال في جميع كلام العرب.
وأما قوله: نسأ الله في أجله، فإنه قد استعمل بفي، لبعض المعاني التي شرحناها وهو جائز بغير حرف جر؛ لأن النسيء التأخير، يقال منه: / نسأته الدين، إذا أخرته عليه، ومنه: نسيء الشهور، التي قال الله عز وجل [فيها]: (إنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الكُفْرِ). وقال الشاعر:
ألسنا الناسئين على معد شهور الصيف نجعلها حراما
فعدى الناسئين، وهو من نسأت إلى الشهور، بغير حرف جر؛ لأنه بمنزلة قولك: أخرته، بغير حرف جر. وإنما تدخل "في" فيه؛ لأنه يراد: نسأ الله الأيام في أجلك؛ أي أخرها، ولكن يحذف هذا المفعول؛ لأنه معلوم، لا يلبس. ومعنى أنسأ الله أجله، أي أنسأه الله أجله، إلى آخر الأيام. فهذا أصل هذا الباب، وقياسه وعلته.
* * *
ونحن نفسر غريب هذا الباب بعده إن شاء الله:
أما قوله: سخرت منه؛ فأصله من تسخير الشيء، وهو السخرة. ومن ذلك قول الله عز وجل:(فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ) أي طوعناها له، وذللناها له؛ أي