جعلناها له مطيعة. وكذلك قوله:(وسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُدَ الجِبَالَ) وكذلك قولهم: سخرت الدواب والسفن: إنما معناه جعلنا ما لغيرنا منقادا لنا. وكذلك سخِرت منه؛ إنما معناه، أن تتخذ الرجل لك كالمسخر، فتجعله بالخديعة أو غيرها مطيعا لك. وإنما قيل: سخرت منه؛ فأدخلت فيه "من" للتبعيض لأنك لم تسخره، كما تسخر الدواب وغيرها. وإنما ختدعته عن بعض عقله فأدخلت "مِن" للتبعيض، وبني الفعل منه على فعلت؛ لأنه بمعنى عبثت وهزئت، ونحو ذلك. وهو أيضاً كالمطاوعة التي لا تتعدى، ومستقبله على أسخَر، بالفتح، كما قال الله عز وجل:(لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ) وقال [تعالى]: (إن تَسْخَرُوا مِنَّا فَإنَّا نَسْخَرُ مِنكُمْ). واسم الفاعل منه: ساخر. ومصدره:/ السخرية؛ كأنها منسوبة إلى السخرة، ولكن علامة التأنيث حذفت من صدره؛ لدخول ياءي النسب، ثم أنث المصدر بعد ذلك، كما يقال: العبودية واللصوصية. وأما قول الله عز وجل:(لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًا) فإنما هو نعت الشيء المسخر، من السخرة، ولو وضع موضع المصدر جاز، وقد يكسرون السين منه، والعامة تقول: سَخِرت بك؛ فتعدي الفعل بالباء، على التشبيه بهزئت به. ومن يزعم أن حروف الجر تتعاقب، يجيز ذلك. وثعلب وأصحابه يعتقدون جواز التعاقب وقد رد على العامة، سخرت به، وصوب سخرت منه. والسُّخَرة، بفتح الخاء الكثير السُّخريّة. والسخرة، الذي يسخر منه، من الناس، وهو أيضا مصدر مثل: الغرفة واللعبة وأشباههما.
وأما هزئت به، من الهزء؛ وهو العبث والسخرية بالشيء ونحوهما، وهو قريب المعنى، من سخرت منه؛ إلا أن هزئت لا يقتضي معنى السخرية والتسخير، وهزئت يتعدى بالباء؛ للفرق بينهما، وهما جميعا كالانفعال. وإنما خُص هزئت بالباء؛ لأن الباء تلصق الشيء