واحد منهما صاحبه، من قولهم: أنا بريء منك. وأنت بريء مني، مهموزا، إذا نوى فيه هذا المعنى. ولا يمتنع هذا المعنى من ترك الهمز فيه أيضا، وليس بخطأ. ولا من أن يجعل من قولهم: بريت الشيء بريا، إذا قطعته لأن أحدهما يريد قطع صاحبه وغلبته في الجود أو الجري أو السوق، ونحو ذلك فلذلك قيل: باراه.
وأما قوله: عبأت المتاع أعبئوه، وعبيت الجيش كذلك، حكى يونس قال: وقال أبو زيد، وابن الأعرابي، هما جميعا يهمزان؛ فإن معنى عبأت المتاع والطيب تثقيل لهما بالحزم والشد وغير ذلك، فأصلهما جميعا الهمز. وأنشد "الخليل" لمسافع بن خلف:
وحمل العبء عن أعناق قومي وفعلي في الخطوب بما عناني
والمستعمل في المتاع والطيب التخفيف والهمز، تقول: عبأته أعبؤه عبئا، بفتح العين ولو شدد في التكثير لجاز في القياس؛ لأن التشديد علامة التكثير والمبالغة، كقول: عبأت الأمتعة والطيب تعبئة، مهموزة. ولو ترك الهمز فيها تخفيفا في المخفف والمشدد لكان في القياس جائزا؛ لأن الهمز قد يبدل ويخفف لثقله، إلا أنهم قد ألزموه في التخفيف الهمز. وترك الهمز في المشدد، للفرق بين الجيش، والمتاع والطيب، مع الهرب من ثقلين. وقد حكى "الخليل" في الجيش: عبأت، بالتخفيف وعبأت بالتشديد، مهموزين كليهما.
وأما قوله: نكأت القرحة أنكؤها، ونكيت في العدو أنكي نكاية؛ فإن معنى نكأت القرحة، قرفتها وأقشرتها؛ وهو أن تقلع عنها قرفها بعد برئها،/ وذلك يعقرها. وأصله الهمز على ما ذكر، قال ابن هرمة:
ولا أراها تزال ظالمة تحدث لي قرحة وتنكؤها
وترك الهمز فيه جائز على ما شرحنا. ومنه قولهم في مثل: "إني إذا نكأت قرحة