للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومنه قيل: سح الفرس إذا عرق، أي سال عرقه من الجري، وقيل له: مسح، كما قال امرؤ القيس:

مسح إذا ما السابحان على الونى أثرن الغبار بالكديد المركل

ولذلك جاء مصدره على: السح، مثل الصب. وجاء من هذا فعل وفعلته على لفظ واحد متعديا وغير متعد، مثل جبر هو وجبرته أنا، كأنهما لغتان، والقياس أن يقال: أسحه الله فسح.

وأما قوله: وتقول أعرضت عن الرجل والشيء إعراضا، وأعرض لك الشيء، إذا بدا، وأعرض الكتاب والجند عرضا، وعرض الرجل عرضا. وتقول: ما يعرضك لهذا الأمر. والعرض خلاف الطول، والعرض: الوادي، والعرض: ريح الرجل الطيبة والخبيثة. يقال: هو نقي العرض؛ أي بريء من أن يشتم/ ويعاب. والعرض طمع الدنيا وما يعرض منها. وعرض الشيء: ناحيته. والعود معروض على الإناء وكذلك السيف معروض على فخذه، فإن معاني ذلك كله متقاربة، تعود إلى أصل واحد، وإن اختلفت الأمثلة، لاختلاف الفاعلين والمفعولين منها؛ وذلك أن الأصل من الجميع إنما هو من العرض الذي هو خلاف الطول، وهو مشهور معروف في كل ثوب وحائط وأرض وخشبة وذهب وفضة، وجوهر وماء وسماء وإنسان، وبهيمة، ولكل جسم وشخص عرض وطول، وأكثر الأشياء عرضه اقل من طوله، وقد يكون منها ما يتساوى فيه العرض والطول، وهو مثل المستدير، والمربع المتساوي الجوانب، ومنها ما يزيد عرضه على طوله. فأما قوله: تقول أعرضت عن الرجل والشيء إعراضا فإنما معناه حولت عرضي عنه، فلما بنى أفعل من العرض اجتمع بناء الفعل مع حروف العرض، فاستغنى بهما عن ذكر العرض معهما، فوضع في موضعه وجهه وقلبه ونحو ذلك تبيينا للشيء الذي كني عنه، وعدي الفعل بعن؛ لأنه في معنى حول عنه وأضرب عنه، وقد يستغنى معه عن ذكر الوجه والقلب ونحوهما اختصارا، وأمانا من اللبس، ومنه قول الله عز وجل: (وأَعْرِضْ عَنِ الجَاهِلِينَ) وقوله [تعالى]: (أَعْرَضَ ونَأَى بِجَانِبِهِ)

<<  <   >  >>