للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأما قوله: ما يعرضك لهذا الأمر فمعناه ما ينصب عرضك له، أي عرضك/ وشخصك، وما جعلك عرضة له، كما قال الله عز وجل: (ولا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لأَيْمَانِكُمْ) فبنى من العرض الفعل، واستغنى عن ذكر ذلك، وأقيم صاحب العرض مقام مفعوله، وعدي إلى مفعول آخر باللام.

وأما قوله: والعرض الوادي، فإنما معناه العريض؛ لأن الفعل، بكسر الفاء وسكون العين، بناء يجيء بمعنى الفعيل كثيرا، كقولهم: خليل وخل، وحبيب وحب، وقرين وقرن، فهو راجع إلى معنى العرض الذي هو ضد الطول.

وأما قوله: والعرض ريح الرجل الطيبة والخبيثة، وأنه يقال هو نقي العرض، أي بريء من أن يشتم أو يعاب فإن أهل اللغة مختلفون في هذه الكلمة، فزعم "الخليل" أن عرض الرجل حسبه يقال: لا تعرض عرض فلان، أي لا تذكره بسوء. وقال الأصمعي: عرض الإنسان: ما يمدح منه ويذم. وقال أبو عبيدة: عرضه: حسبه. والأصل عندنا في هذا كله: جسد الإنسان، الذي فيه عرضه وطوله، ولكنه اشتق له من عرضه اسم على فعل، بكسر أوله للجسد، ثم كني به عن الحسب في المدح والذم، فسمي عرضا، ويدل على ذلك ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ أن أهل الجنة "لا يبولون ولا يتغوطون، ولكن يخرج من أعراضهم عرق مثل ريح المسك" فالأعراض؛ هي الأبدان، وواحدها عرض، والعرق لا يخرج من الحسب ولا من الريح الطيبة والخبيثة، ولكن يخرج من الأبدان، ولذلك قيل فلان يشتم أعراض الناس، ويقع في أعراضهم. ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الله حرم عليكم دماءكم وأموالكم وأعراضكم كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا" أي أجسادكم./ وقد يستعار للحسب والدين والعقل يضا؛ لأنها كلها من الأبدان، كما قال الله عز وجل: (وثِيَابَكَ فَطَهِّرْ) يريد القلب والنية، وقال امرؤ القيس:

<<  <   >  >>